حدثنا عبد العزيز بن السري الناقط حدثنا بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال:(أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ زكاة النخل تمراً)].
الخرص هو أن يرسل الإمام أناساً ليخرصوا الثمرة، وفيه مصلحة المالك ومصلحة الفقراء، أما مصلحة المالك فإنه يعرف مقدار ثمرته ليخرج عشرها أو نصف عشرها في الزكاة، ولا يفوت على المساكين شيئاً إذا عرف حقهم، وفيه مصلحة له من حيث إنه يتصرف في ماله ويستفيد منه ويبيع، ويقوم بدفع مقدار الزكاة بعدما تجف الثمرة، فيخرص العنب وتخرج الزكاة زبيباً، ويخرص النخل رطباً وتخرج زكاته تمراً بعدما يجف.
إذاً: الخرص فيه مصلحة للمالك لتمكينه من أن يتصرف في ماله لأن له فيه شركاء وهم الفقراء والمساكين، فلو أنه تصرف فيه من غير أن يخرص لترتب على ذلك أنه قد يفوت حق الفقراء، لكن بعد الخرص فإنه يبيع ويأكل ويتصدق وقد عرف المقدار الذي تجب عليه في الزكاة، والفقراء يكون حقهم قد حفظ، فهذه فائدة الخرص.
والخرص جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث عديدة في ثلاثة أبواب، وكلها ذكر الألباني رحمه الله أنها ضعيفة، وأنه لم يثبت منها شيء، لكن قد ثبت الخرص في صحيح البخاري في كتاب الزكاة في غزوة تبوك، وترجم عليه البخاري: باب خرص النخل، وفيه أنهم لما مروا بوادي القرى في طريقهم إلى تبوك مروا على حديقة لامرأة فيها نخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:(اخرصوا، فخرصوا وخرصها هو وقال: إنها تبلغ عشرة أوسق، ثم قال لصاحبة البستان: أحصي ثمرة نخلك وأعلمينا إذا رجعنا)، وبعد رجوعهم مروا عليها وأخبرتهم بأنها عشرة أوسق كما خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث طويل وقد اشتمل على أمر عجيب في تبوك، وهو أنهم لما ذهبوا إلى تبوك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:(إنها ستهب عليكم ريح شديدة) فأمر كل رجل أن يعقل بعيره، وألا يقوم، فقام رجل فحملته الريح وألقته في جبل طيء، يعني حملته الريح من تبوك إلى حائل وألقته هناك.
والمقصود أن الخرص ثابت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري، وهنا أورد أبو داود رحمه الله في باب خرص العنب حديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه، وهو أمير مكة، أمره النبي صلى الله عليه وسلم على مكة وكان صغيراً، وهو من صغار الصحابة رضي الله عنه، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يخرص العنب وتخرج زكاته زبيباً كما يخرص الرطب وتخرج زكاته تمراً، والعنب لا شك أنه من جنس التمر، وهو من الأموال الزكوية لأنه يصير زبيباً، وهو يدخر، وهو قوت من الأقوات؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره في الأقوات التي تخرج في زكاة الفطر، وهو مما يوسق ويكال.
الحديث فيه انقطاع بين سعيد بن المسيب وعتاب بن أسيد؛ لأن عتاب بن أسيد توفي في اليوم الذي مات فيه أبو بكر وسعيد بن المسيب لم يدركه، فهو غير صحيح للانقطاع الذي فيه، لكن كون العنب يتخذ زبيباً، وأنه يدخر ويكال، وهو قوت من الأقوات، فتجب فيه الزكاة مثل التمر.