[شرح أثر سبب نزول قوله تعالى:(ويسألونك عن اليتامى)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب مخالطة اليتيم في الطعام.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الأنعام:١٥٢]، و {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}[النساء:١٠] الآية.
انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد؛ فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فأنزل الله عز وجل:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}[البقرة:٢٢٠]، فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه].
أورد أبو داود باب مخالطة اليتيم في الطعام، يعني: أن ذلك سائغ، وأن الإنسان إذا كان عنده يتيم يأكل معه وأراد الولي أن ينفق على اليتيم من مال اليتيم نفسه فإنه يتحرج من ذلك، فله أن يخالطه لكن بحيث يؤخذ من طعام هذا ومن طعام هذا، أو يصرف من نقود هذا ومن نقود هذا كل بحسبه، وكل على قدره، فيؤخذ من اليتيم مقدار ما يستحقه الشخص المفرد، وصاحب البيت ينفق على قدر أهل البيت، ويخلط هذا مع هذا ويشترى الطعام، يعني: تدفع النقود من هذا والنقود من صاحب البيت ثم يشترى الطعام ويطبخ ويأكل الجميع منه، وهذه هي المخالطة، في الأكل، ولما نزل قول الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}[النساء:١٠]، عزلوا طعامهم من طعامهم وشرابهم من شرابهم، فصار الطعام لليتيم يعطى منه، وإذا فضل فضلة حبست له حتى يأكلها، أو تنتن فتفسد فلا يستفيد منها لا هو ولا غيره، فأنزل الله عز وجل هذه الآية:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}[البقرة:٢٢٠] يعني: يعلم الذي عنده إحسان إلى اليتيم، والذي عنده إساءة إلى اليتيم، والذي عنده إصلاح لمال اليتيم، والذي عنده إفساد لمال اليتيم، الله تعالى يعلم ذلك ولا يخفى عليه، ولكن المخالطة لا بأس بها ولا مانع منها، والحرج والمشقة التي تحصل لعزل طعامه من طعامه الله تعالى رفعها وأباح المخالطة، فالمخالطة لا بأس بها ولا مانع منها، والشيء الذي كانوا يفعلونه في الأول سائغ لكن مع العدل، فلا يؤخذ من مال اليتيم إلا على قدر حاجة اليتيم فقط، ويخلط الطعام مع الطعام، ويأكل الجميع من الطعام، ويكون الطعام للجميع، والجميع يستفيدون منه.
وأثر ابن عباس هو في بيان سبب نزول هذه الآية، وأنهم تحرجوا وعزلوا طعامهم من طعامهم، فتعرض للفساد فرخص وأذن لهم بأن يخلطوا طعامهم مع طعامهم وأنزل الله هذه الآية.