للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في زكاة السائمة.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً زعم أن أبا بكر رضي الله عنه، كتبه لـ أنس رضي الله عنه، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثه مصدقاً وكتب له، فإذا فيه: (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاضٍ فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه).

قال أبو داود: ههنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه).

قال أبو داود: إلى ههنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدِّق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)].

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب في السائمة) والسائمة هي بهيمة الأنعام التي ترعى أكثر الحول، أي: لا يتعب صاحبها عليها بالعلف، ولا يتكلف لها علفاً، وإنما ترعى في البر وفي المراعي دون أن يحصل عليه كلفة بعلفها.

وهذا يدل على أن صاحب الغنم أو الإبل إذا كان يعلفها أكثر الحول فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه قد تعب وخسر عليها، ونماؤها إنما حصل بإنفاقه وبتعبه، فلا زكاة في الأنعام إلا أن تكون سائمة ترعى ولا يتكلف عليها بشيء.

وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إليه لما جعله مصدقاً على البحرين -يعني: عاملاً على الصدقات في البحرين- فأعطاه هذا الكتاب الذي عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان فرائض الصدقة، أي: مقاديرها وتحديدها.

قوله: [هذه فريضة الصدقة] يعني: هذا بيان فريضة الصدقة، أي: بيان مقاديرها والنصاب والحد الأدنى والأوقاص التي لا زكاة فيها بين المقدارين من بهيمة الأنعام، ففي ذلك الكتاب بيان ما يستحق عند كل مقدار.

وقوله: [التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم] المراد بذلك أنه قدرها وبين مقاديرها، ومعلوم أنه جاء في القرآن إيجاب الزكاة دون تحديد وتقدير، وجاء بيان تحديد ذلك وتقديره في السنة، ومعلوم أن البيان الذي حصل من رسول صلى الله عليه وسلم ليس هو من عنده، وإنما هو من عند الله؛ لأن السنة وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله كما قال الله عز وجل {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].

قوله: [والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم] يحتمل أن يكون المراد: أمر الله بها رسوله في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:١٠٣]، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا التفصيل من الله: ولا شك أن هذه التفاصيل من الله، وليست من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مبلغٌ عن الله، والسنة هي وحيٌ من الله مبينة وموضحة للقرآن، ودالة على القرآن.

قوله: [فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها] يعني: على هذا التقدير وعلى هذا البيان الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المفصل لبيان المقادير، فيعطيها إذا سئلها على وجهها، أما إذا سئل أكثر من ذلك فإنه لا يعطي ما لم يجب عليه، وإنما يعطي ما وجب عليه.

وهذا مثل ما جاء في حديث ابن عباس من قصة معاذ بن جبل عندما بعث إلى اليمن فقال: (فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم) يعني: لا تأخذ الكرائم النفيسة التي تكبر وتعظم في عيون أهلها، فإن أخذها ظلم، ولذلك قال: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) يعني: عليه أن يخشى أن يدعو عليه من ظلمه بأخذ شيء أكثر مما يجب عليه؛ فتصيبه الدعوة، ويستجيب الله عز وجل دعاءه على هذا الذي ظلمه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>