[شرح حديث (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: أي الليل أفضل حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [أي الليل أفضل؟] يعني: ليصلى ويدعى فيه.
والجواب أن من كان يتمكن من القيام ويستيقظ فإن صلاته في آخر الليل أفضل من صلاته في أول الليل، وإذا كان لا يتمكن من الاستيقاظ فإن الأولى في حقه والأفضل أن يصلي في أول الليل؛ لئلا يفوت على نفسه صلاة الليل، فإذا كان ليس من عادته أنه يستيقظ في آخر الليل فليصل أول الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه هذا وهذا، والرسول صلى الله عليه وسلم من كل الليل قد أوتر، من أوله ووسطه وآخره، وكل ذلك سائغ وجائز، ولكن الناس فيهم من يستيقظ آخر الليل، فالأفضل في حقه أن يصلي آخر الليل، وفيهم من لا يتحقق بأنه يستيقظ آخر الليل، فهذا الأولى في حقه أن يصلي في أول الليل، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وكذلك وصيته لـ أبي الدرداء حيث قال: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد) رواه مسلم.
إذاً: المسألة فيها تفصيل، فآخر الليل أفضل لمن تمكن منه، ومن لم يتمكن منه فإنه لا يفوت على نفسه أول الليل؛ لأنه إذا كان يفوت على نفسه آخر الليل ولم يصل أول الليل فإنه يذهب عليه الليل دون أن يعمل شيئاً، فكونه يأتي بوتره وصلاته في الليل، ولا يعرضها للفوات، هو الذي ينبغي.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟).
وهذا يدل على أن آخر الليل والثلث الأخير من الليل هو وقت نزول الله عز وجل، وهذا من صفات الله عز وجل، وهو أنه ينزل نزولاً يليق بكماله وجلاله دون المشابهة لخلقه، ودون تكييف، بل كما يليق به سبحانه وتعالى.
ومعلوم أن ذاته لا يعلم كنهها، وصفاته لا يعلم كنهها، فالعباد لا يعرفون كنه ذات الله عز وجل، وكذلك لا يعرفون كنه صفاته، ولهذا فإن مذهب السلف في هذا الباب هو أن أحاديث الصفات تذكر كما وردت من غير تكييف لها، ومن غير تشبيه لله بخلقه، ومن غير تعطيل أو تأويل أو تحريف، بل على حد قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] فأثبت السمع والبصر بقوله: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، ونفى المشابهة بقوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) فهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
والنزول لا نعرف كنهه كما أن الذات لا نعرف كنهها، ومن القواعد في هذا الباب أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أننا نثبت لله ذاتاً لا تشبه الذوات فنحن نثبت له صفات لا تشبه الصفات، بل صفات الباري كما يليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم، ولا يشبه المخلوق الخالق في شيء من صفاته، والله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه في صفاتهم، بل صفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم.
فلا تكييف ولا تشبيه، ولا تعطيل ولا تحريف، ولكن إثبات مع التنزيه؛ لقول الله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)).