للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من القبلة.

حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ).

قال أبو داود: كذا رواه الفريابي وغيره.

قال أبو داود: وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً.

قال أبو داود: مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء من القبلة]، يعني: إذا كان الإنسان على طهارة ثم وجد منه التقبيل لأهله هل ينتقض وضوءه بذلك ويحتاج إلى أن يتوضأ أو أنه باقٍ على طهارته وأن التقبيل لا ينقض الوضوء؟ وهذه المسألة هي جزء من مسألة: لمس المرأة هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ يعني: كون الإنسان يلمس المرأة هل ينتقض وضوءه بذلك أو لا ينتقض وضوءه بذلك؟ وفي هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه لا ينتقض، وإنه لم يأت شيء يدل على النقض إلا ما ذكر عن بعض الفقهاء أنه فسر قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:٤٣] بأن المقصود به اللمس، ولكن الذي هو واضح غاية الوضوح أن المراد بالملامسة في الآية الجماع؛ لأنه ذكر الحدث الأكبر والأصغر، وأنه إذا لم يوجد الماء يصار إلى التيمم في الحالتين، ولكن اللمس أو التقبيل ما جاء شيء يدل عليه دلالة واضحة، بل جاء ما يدل على خلافه وهو أنه لا ينقض الوضوء ولا يحصل به النقض.

وقد جاء فيما يتعلق بالتقبيل أحاديث أوردها أبو داود رحمه الله وفي بعضها كلام، ولكن بعضها يشهد لبعض، وبعضها يؤيد بعضاً، وفيها أن مجرد التقبيل لا يحصل به نقض إلا إذا حصل انتشار وحصل خروج مذي فإنه عند ذلك يكون النقض بهذا الخارج الذي حصل بسبب هذا اللمس أو التقبيل، وبعض أهل العلم يقيد النقض بما إذا كان النقض بشهوة.

فمنهم من قال: إنه لا ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض إذا كان بشهوة، لكن الأحاديث التي وردت في التقبيل تدل على عدم النقض.

وأيضاً جاء في اللمس ما يدل على عدم النقض، وقد جاء في أحاديث صحيحة فيما يتعلق بكون المرأة تلمس الرجل وهو يصلي أنه باقٍ على طهارته ولا يؤثر فيه كون المرأة لمسته، من ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها بحثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي، فوقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان وهو ساجد، فلمست رجليه ومع ذلك استمر في صلاته وما حصل بلمسها إياه شيء جديد يغير الوضع الذي هو عليه، فدل على بقاء الطهارة.

وجاء في الصحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة أمامه، والبيوت ليس فيها مصابيح يومئذٍ، وكانت تمد رجليها، فإذا سجد غمز رجليها فكفتها وسجد في مكان رجليها.

فهذا فيه لمس وليس فيه نقض، وليس فيه شيء يدل على النقض، ثم ليس هناك دليل يدل دلالة واضحة على خلاف هذا.

إذاً: لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك اللمس انتشار وحصل بسببه مذي؛ فإن الخارج من الإنسان من قبله ومن ذكره هو الذي ينقض الوضوء ويوجب غسل ذلك الذي حصل له ويوجب الوضوء.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) وهي حكت ما حصل لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبق أن ذكرت مراراً أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أوعية السنة، وأنها حفظت الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأمور التي تقع بين الرجل وأهل بيته ولا يعرفها إلا أزواجه ولا يطلع عليها إلا أهل بيته؛ فإنها روت الكثير من ذلك ومن غير ذلك، ولكن الشيء الذي لا يطلع عليه إلا النساء روت في ذلك الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من هذا القليل، فكونه صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ هو مما يجري في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أهله، وقد روت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان في إسناده مقال من حيث ما ذكره أبو داود بأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة وأنه يكون فيه إرسال إلا أنه قد جاءت أحاديث أخرى تشهد له وتؤيده.

<<  <  ج:
ص:  >  >>