للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أول ما خلق الله القلم]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا جعفر بن مسافر الهذلي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا الوليد بن رباح عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي حفصة قال: قال عبادة بن الصامت لابنه: (يا بني! إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب.

قال: ربِّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني)].

أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال لابنه: (يا بني! إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وهذا مثل ما تقدم في الحديث السابق الذي جاء عن جماعة من الصحابة، ثم إنه ذكر بعد هذا الذي قاله لابنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب.

قال: ربَّ وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة).

قوله: [(اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)] هذا يبين ما ذكره أولاً لابنه من أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، أي: أن الذي قدره الله عز وجل وكتبه في اللوح المحفوظ من أن كذا سيصيب هذا الشخص، أو يخطئ هذا الشخص، فالذي أصابه لابد له منه ولا يمكن التخلص منه، والذي أخطأه لا سبيل إلى حصوله؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وفي الحديث دليل على إثبات القدر وعلى الكتابة، لأن القلم لما خلقه الله عز وجل قال له: (اكتب قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن هذه الكتابة كانت قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن القلم هو أول المخلوقات في هذا العالم، ومنهم من قال: إن العرش كان قبله؛ لأنه جاء في الحديث الذي فيه الكتابة قوله: (كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) فيكون قوله: (إن أول ما خلق الله القلم) معناه: أنه من أول ما خلقه الله.

ومنهم من قال: إن العرش كان موجوداً من قبل أن يكتب القضاء والقدر، وقبل أن يخلق القلم الذي أمر بكتابة المقادير التي قدرها الله عز وجل حتى تقوم الساعة.

ورجح ابن القيم رحمه الله في النونية أنه العرش فقال: والناس مختلفون في القلم الذي كتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش أو هو بعده قولان لأهل العلم مشهوران والحق أن العرش قبل لأنه قبل الكتابة كان ذا أركان قوله: [قال عبادة بن الصامت لابنه: (يا بني! إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك)].

معناه: أن الإيمان بالقدر وحقيقته وكون الإنسان متصفاً بالإيمان به، إنما يكون بمعرفة أن كل ما حصل للإنسان فإنه لا سبيل إلى السلامة منه، وأن كل شيء أخطأه لا سبيل إلى حصوله، وعلى هذا فلابد من الإيمان بالقدر، وأن كل شيء مقدر لابد من أن يكون، وأن ما قدر الله أن يكون فإنه يكون طبقاً لما أراد، وما قدر ألا يكون فإنه لا يمكن أن يكون.

قوله: [(من مات على غير هذا فليس مني) يعني: أن من مات على عدم الإيمان بالقدر، أو على إنكار القدر فليس مني.

<<  <  ج:
ص:  >  >>