[شرح حديث (من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عطية من سأل بالله.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه)].
أورد أبو داود باب عطية من سأل بالله، أي: فإنه يعطى ولا يرد، ولكن هذا فيما إذا كان سؤاله بالله مما يمكن إعطاؤه، فبعض الناس قد يسأل بالله شيئاً لا يصلح أن يعطاه، ولا يصلح أن يجاب إليه، وليس كل ما يكون عند الإنسان يمكن أن يبذله ويعطيه، فإذا سأل بالله شيئاً لا يصلح أن يسأل عنه لا بالله ولا بدون السؤال بالله فالإنسان في سعة منه، فإذا كان عنده سر من الأسرار وخبر من الأخبار مثلاً، وقال له رجل: أسألك بالله أن تخبرني عن كذا وكذا، أو سأله عن أمور خاصة، أو في أمور لا يصلح أن يخوض فيها، فلا يلزمه ذلك؛ لأن مثل هذا السؤال لا يصلح أن يوجه.
والحاصل أن السؤال بالله إذا كان من الممكن تحقيق عطيته فهذا هو الذي قُصد في الترجمة، وهو الذي أُورد الحديث من أجله، وأما إذا كان السؤال في أمر لا يصلح أن يجاب إليه فإنه لا يجاب، ويوضح هذا أن إبرار المقسم قد يناسب أن يبرّ، وأحياناً لا يحصل إبراره؛ وهذا كأن يحلف على شيء لا يصلح أن يحلف عليه، ويدل على ذلك قصة أبي بكر رضي الله عنه: (لما ذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا رآها، فطلب تعبيرها، وهي أنه رأى غلة تنضح سمناً وعسلاً، والناس يتكففون ذلك إلخ، فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله أن أعبر هذه الرؤيا، فقال: عبرها، فعبرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، قال: أقسمت عليك أن تخبرني بماذا أخطأت قال: لا تحلف) أي: أنه لم يرد أن يبين هذه في الرؤيا ويفسرها صلى الله عليه وسلم، مع أن أبا بكر قد حلف، فليس كل شيء يحلف عليه أو يسأل به ينفذ.
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل بالله فأعطوه، ومن استعاذ بالله فأعيذوه، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).
قوله: (ومن استعاذ بالله فأعيذوه) قيل: معناه أنه استعاذ بالله وأمكنكم إعاذته من ذلك الشيء الذي استعاذ بالله منه، فحققوا له تلك الاستعاذة.
وقيل: إنه إذا حصل الاستعاذة من الإنسان لنفسه فإما أن يكون استعاذ بالله من أمر من الأمور يمكن للإنسان أن يعيذه منه، وأن يساعده عليه، وأن يخلصه منه، أو استعاذ في أمر من الأمور فإنه يحقق له الشيء الذي يريد، وهذا كما جاء في قصة المرأة التي قالت: (أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك) فالمراد أنه هنا يحتمل هذا ويحتمل هذا.
قوله: (ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه) أي: ومن أحسن إليكم فقابلوا الإحسان بالإحسان: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠]، وقد جاء في نصوص الكتاب والسنة ما يدل على مقابلة الإحسان، بالإحسان بل ومقابلة الإساءة بالإحسان.
قوله: (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) ويمكن أن يكون الدعاء مع الإحسان والمكافأة، لكن الإنسان الذي لا يستطيع المكافأة فلا أقل من الدعاء، والدعاء سهل ميسور، فيدعو له ويكرر ذلك، أو يدعو بدون تكرار، وقد جاء في الحديث: (من قال لصاحبه: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء).
قوله: (ومن دعاكم فأجيبوه) أي: دعاكم إلى طعام فأجيبوه، وهذا -كما هو معلوم- أيضاً من حق المسلم على المسلم، لكن إذا كان الإنسان عنده عذر يشغله فإنه يكون معذوراً.