حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني الدراوردي - عن عبد الرحمن بن حميد أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد رضي الله عنه:(هل سمعت في الإقامة بمكة شيئاً؟ قال: أخبرني ابن الحضرمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: للمهاجرين إقامة بعد الصدر ثلاثاً)].
قوله: باب: الإقامة بمكة يعني: الإقامة بمكة بعد الحج.
وذكر فيه حديث العلاء الحضرمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(للمهاجرين إقامة بمكة بعد الصدر ثلاثاً) يعني: أنهم إذا انتهوا من منى في اليوم الثالث عشر فلهم أن يقيموا بعد أيام منى ثلاثة أيام وهي الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، وهذا للمهاجرين؛ لأن المهاجرين تركوا مكة وهي بلدهم لله ومن أجل الله، وهاجروا منها إلى المدينة، فليس لهم أن يبقوا فيها أكثر من ثلاثة أيام، وليس لهم أن يتخذوها وطناً.
وأما غير المهاجرين فلم يأت شيء يدل على التحديد لهم بعد الصدر من منى.
أما من هجر بلداً وتركها لله فهل يجوز له أن يقيم بها ثلاثاً بعد أن هاجر منها؟ يبدو أن هذا الحكم يخص مكة؛ لأن الهجرة منها كانت لإظهار الإسلام وإقامة الإسلام، ولهذا (لا هجرة بعد الفتح)، وهي الهجرة التي حصل لها بها وصف المهاجرين وبالمقابل وصف الأنصار، والمهاجرون أفضل من الأنصار.
إذاً: كون الإنسان إذا كان في بلد شرك وهاجر منه ثم صار ذلك البلد بلداً إسلامياً فله أن يرجع إليه؛ لأن هذا الحكم يبدو أنه خاص بالمهاجرين من مكة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا هجرة بعد الفتح)، ولأن الوصف بذلك إنما حصل لهم لكونهم تركوا مكة وخرجوا منها لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.