إن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، ويوسع له في قبره مد بصره، أي: فيكون في سعة، وهذا من أمور الغيب، لأن القبور كما هو مشاهد تختلف عما جاء في هذا، ولكن أمور الغيب يجب التصديق بها سواء عرف الكنه والحقيقة أو لم تعرف، ومعلوم أن هذه الأمور لا تعرف، لكن الإنسان لا يجعل إيمانه مبنياً على مشاهدة ومعاينة، فيقول: ما رأيته صدقت به وما لم أره لا أصدق به! فهذا لا يجوز؛ لأن المؤمن من شأنه أن يكون مصدقاً لكل ما جاء الخبر به عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، أدركه عقله أو لم يدركه، والإسلام لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه يأتي بما تحار فيه العقول ولا تدركه، فتلك أمور خفية وأمور واقعة وحاصلة والناس لا يشاهدونها ولا يعاينونها، ولو فتح الإنسان القبر ما رأى نعيماً يأتي من الجنة، ولكن لا ينفي ذلك، لأن الخبر جاء بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجب التصديق به.
وقد وجد مما يوضح ذلك في الحياة الدنيا أن الجسد والروح تتنعمان، وكذلك يحصل لهما العذاب في الحياة الدنيا، ويكون الأشخاص متقاربين ومن حولهم لا يدرك ما حصل لهذا من العذاب ولهذا من النعيم، وذلك عندما يكونوا نائمين، ثم يحصل لهذا في نومه نعيم وراحة وأنس وسرور، والآخر بجواره يحصل له عذاب في نومه، ويحصل له حزن وخوف وذعر، وكل واحد لا يعلم ما بصاحبه، والناس الذين يكونون بجوارهما أيضاً لا يدركون الشيء الذي قد حصل لكل منهما، فهذه أمور مشاهدة في الحياة الدنيا تحصل للروح وللجسد، والنوم أخو الموت؛ لأنه يحصل للإنسان في نومه من هذه الأمور مثل ما يحصل له في موته وفي قبره من نعيم أو عذاب، فهذا مثال يوضح ما يجري في القبور، والناس لا يدركون كنهه وحقيقته في هذه الحياة الدنيا.
قوله: [(قال: ويفتح له فيها مد بصره)].
أي: أن قبره يوسع ويكون حيث ينتهي بصره، ومعلوم أن القبور بالنسبة لما يعقله الناس متجاورة ومتلاصقة، لكن أمور الآخرة غيب كما عرفنا، فهذا يفتح له باب إلى الجنة، وهذا يفتح له باب إلى النار، وهذا يوسع له في قبره، وهذا يضيق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه، والله على كل شيء قدير، والواجب التصديق، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله أهله، والغيب هو كل ما غاب عن الأبصار مما لا يعرف إلا بالشرع، قال تعالى في مدح أهله والثناء عليهم:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}[البقرة:١ - ٣]، فجعل من أول صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب، وليس إيمانهم مبنياً على مشاهدة ومعاينة.