للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صوم ستة أيام من شوال.

حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد عن عمر بن ثابت الأنصاري عن أبي أيوب رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر)].

أورد أبو داود باب صيام ست من شوال، وستة أيام من شوال صيامها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات عند النسائي تفصيل ذلك بأنه إذا صام رمضان فيكون يقابل عشرة أشهر، وإذا صام ستاً من شوال يقابل شهرين، فيكون صام ثلاثمائة وستين يوماً؛ لأن اليوم عن عشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، وهذا يوضح ما جاء في الحديث: (شهرا عيد لا ينقصان) وقد سبق أن المقصود بذلك أنه إن كان ناقصاً فهو كامل في الأجر والثواب؛ ولهذا جاء التفصيل بأن رمضان يعادل عشرة أشهر، وستاً من شوال تعادل صوم شهرين، وقد يكون الشهر تسعة وعشرين يوماً، فيكون ناقصاً، ولكنه قال: (لا ينقصان) يعني: في الأجر، وإن حصل النقص في العدد بأن يكون تسعة وعشرين يوماً فإن الأجر فيه كامل، ويكون كأنه صام ثلاثين يوماً، وهذا الذي جاء في هذا الحديث يبين هذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (شهرا عيد لا ينقصان).

ثم إن صيام ست من شوال أورد أبو داود فيه حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر).

يعني: يشبه صيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، كما أن قوله: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال) يدل على أن الإنسان لا يأتي بصيام الست إلا بعدما يؤدي القضاء الذي عليه؛ لأنه لا يقال للإنسان إنه صام رمضان إلا إذا أدى ما عليه سواءً الفرض أو قضاء الفرض، يعني: لو أن أحداً كان عليه شيء من رمضان فيبدأ بالفرض قبل النفل ويشتغل به؛ ولهذا قوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه) لأن من لم يصم ما عليه من رمضان لا يقال: صام رمضان بل رمضان باق في ذمته، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال) دال على أن المقصود بذلك من أدى ما عليه من الفرض في وقته وليس عليه قضاء، وإن كان عليه شيء من رمضان فعليه أن يبدأ بقضاء رمضان ثم يصوم ستاً من شوال، ولا يتشاغل بالفرض عن النفل، وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال بعض الأكابر: من اشتغل بالفرض عن النفل فهو معذور، ومن اشتغل بالنفل عن الفرض فهو مغرور.

قوله: (ثم أتبعه بست من شوال) يدل على أن المبادرة إلى صيامها بعد العيد هو الأولى؛ لأن هذا هو الذي يقتضيه الإتباع في قوله: (ثم أتبعه بست من شوال)، ولكن إن لم يفعل فإن الشهر كله وقت وزمن لها، ولكن لا يؤخرها عن شوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بست من شوال) فهو في حدود شوال، يعني: من صام أثناء الشهر يكون حصل منه المطلوب، ولكن الأولى أن يبادر إلى الصيام بعد العيد إذا أمكنه ذلك؛ لأن هذا هو الذي يتحقق به الإتباع، ولكنه إذا لم يفعل وأتى بها سواءً كانت مجتمعة أو متفرقة فإن ذلك يحصل به المقصود، ثم إن كون الإنسان يصوم ستاً من شوال هذه بمثابة السنة الراتبة بعد الفريضة، وقد جاء في الحديث أن التطوع يكمل به الفرض إذا لم يكن أتمه وإذا كان في نقص، كما سبق أن مر بنا الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو بمنزلة الراتبة في صلاة الفريضة، ثم أيضاً كون الإنسان يأتي بصيام هذه الست يدل على رغبته في الطاعة ومحبته للصوم؛ لأنه أتى بالطاعة التي هي الصيام في رمضان، ثم بعد ذلك أتى بالتطوع، ويدلك كذلك على أنه لا يودع الصيام بانتهاء شهر الصيام، وإنما يصوم تطوعاً لله عز وجل، والله تعالى قد قال في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

<<  <  ج:
ص:  >  >>