[بيان النبي للأيام التي يستحب صيامها]
قوله: [ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاث من كل شهر)].
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما ينبغي أن يفعل فقال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، الحسنة بعشر أمثالها، فيكون الإنسان كأنه صام الدهر؛ لأن كل يوم عن عشرة أيام، والحسنة بعشر أمثالها، فيكون صام ثلاثين يوماً في رمضان وكل يوم عن عشرة أيام، فإذا صام من كل شهر ثلاثة أيام يكون قد صام ستة وثلاثين يوماً، وكل يوم بعشرة أيام، وعلى اعتبار أن الأشهر كاملة، والحسنة بعشرة أمثالها، فيكون بذلك له أجر صيام الدهر، مثلما جاء في فرض الصلوات خمسين صلاة ثم خفضت إلى خمس صلوات، ثم قال الله عز وجل: (هن خمس في العمل وخمسون في الأجر)؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها، والصلاة عن عشر صلوات، واليوم عن عشرة أيام، وهنا يكون كأنه صام الدهر.
وكما سيأتي في الحديث: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) أو (فكأنما صام الدهر) لأن رمضان بثلاثين يوماً، فيكون المجموع مع شوال ستة وثلاثين يوماً والحسنة بعشر أمثالها، فإذا صام رمضان وستاً من شوال، وصام ثلاثة أيام من كل شهر يكون بذلك كأنه صام الدهر مرتين، وحصل أجر صيام السنة مرتين؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.
قوله: [(ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله، وصيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)].
ويوم عرفة هو يوم من أيام السنة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وصيامه يستحب لغير الحجاج، وأما الحجاج فالأولى في حقهم أن يكونوا مفطرين لا أن يكونوا صائمين، وإنما الفضل في الصيام في حق من كان في غير عرفة وليس من الحجاج، فالحجاج بحاجة إلى أن يتقووا على الدعاء والذكر في ذلك اليوم، والصوم قد يحصل لهم معه كسل يحول بينهم وبين الإتيان بذلك الدعاء والابتهال إلى الله عز وجل في تلك الساعات النفيسة العظيمة التي ينزل الله عز وجل ويباهي بأهل الموقف الملائكة.
قوله: [(إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)] يعني: هذا يدل على أن أفضل يوم يصام تطوعاً هو يوم عرفة، وذلك لغير الحجاج.
والتكفير إنما هو تكفير الصغائر، وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى التوبة حتى تكفرها، أما أن يكون الإنسان مصراً على الكبائر ومداوماً عليها، ثم يصوم يوماً في السنة ويقول: هذا ينهي كل ما تقدم، فهذا لا بد فيه من التوبة؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:٣١].
ويقول صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فهذا التقييد بقوله: (ما اجتنبت الكبائر) يدل على أن التكفير إنما هو للصغائر، وإذا صامه مع توبة نصوح، فإنه يكفر الكبائر والصغائر، أما صيام مع الإصرار على الكبائر وعدم التوبة منها فهذا لا يحصل منه تكفير الكبائر.
قوله: [(وصوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)].
وهذا يدل على فضل صيام يوم عاشوراء، ولكنه يضاف إليه يوم آخر حتى يسلم من المشابهة لليهود، فيصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، والأولى أن يصوم يوماً قبله؛ لأن الأحاديث وردت بذلك، حديث قال صلى الله عليه وسلم: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) فهذا يدلنا على أنه يصام معه، ولكن كما جاء في الحديث هنا: (أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية) وهذا يدل على فضله، وأنه مثل يوم عرفة في الفضل؛ فعرفة يكفر السنة الماضية والآتية، وهذا يكفر السنة الماضية.