ثم إن جبريل مضى بعدما انتهت هذه الأسئلة، قال عمر:(فلبثنا ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
وهذا فيه بيان أن كل ما مضى ذكره يدخل تحت الدين، فهناك أخبار وهناك أحكام، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت؛ كل هذه أحكام يفعلها الإنسان، وأركان الإيمان أمور تعتقد، وهي إخبار عن الله وعن ملائكته، وذلك من الغيب الذي يجب الإيمان به وكذلك الإيمان بالرسل والكتب واليوم الآخر والقدر، فكل ما جاء عنها وما يتعلق بها هي أخبار يجب التصديق بها.
والإحسان عمل، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوصف الذي بينه.
وأما ما سأل به عن الساعة وعن أماراتها؛ فإن تلك من الأمور المغيبة التي يجب التصديق بها، وألا يتكلم فيها إلا بعلم؛ لأن العلامات والإخبار عن أمور مستقبلة هي من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يعرف شيء منه إلا ما جاء به الوحي عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة.
والحاصل أن حديث جبريل المشهور حديث عظيم مشتمل على أمور كثيرة مهمة وعلى أصول عظيمة في العبادات، وفيما يتعلق بما يقوم بالقلوب، وبما يقوم بالجوارح، وبما يقوم باللسان، وفيه إخبار عن أمور مغيبة لا تعرف إلا عن طريق الوحي.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) وقد أثنى العلماء على هذا الحديث وبينوا عظيم شأنه وأهميته، وأنه مشتمل على أصول عظيمة ولذا فإن الإمام مسلم رحمه الله صدر به صحيحه، فكان أول حديث عنده في كتاب الإيمان.