للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث سبب نزول قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أمر الصفا والمروة.

حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة (ح) وحدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: (قلت لـ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨] فما أرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول كانت (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة وكانت مناة، حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:١٥٨])].

قوله: [باب أمر الصفا والمروة].

يعني: شأن الصفا والمروة وما ورد في الصفا والمروة من الشعائر وهي السعي بينهما، والسعي بين الصفا والمروة ركن عند جمهور العلماء، وبعض أهل العلم قال: إنه واجب يجبر بدم، ولكن جمهور أهل العلم على أنه ركن وأنه لا يجبر بدم، وأنه على الإنسان إذا لم يأت به أن يرجع إلى مكة ليأتي به، كالشأن في طواف الإفاضة أو طواف العمرة.

فقول أبي داود رحمه الله: [باب أمر الصفا والمروة] يعني: ما يتعلق بهما وما يتعلق بشأنهما.

وحديث عائشة رضي الله عنها فيه أن عروة بن الزبير الذي هو ابن أختها فهم أنه لا حرج على من لم يطف بين الصفا والمروة، واستدل بقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:١٥٨].

واعتذر رحمه الله لنفسه بكونه كان حديث السن، وتبين في النهاية أنه مخطئ في فهمه للآية، وأن المقصود أن الإنسان لا يترك السعي بين الصفا والمروة، فقالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول لكانت: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما).

إذاً: عروة رحمه الله اعتذر عن نفسه بكونه حديث السن، وهذا يدل على أن حدثاء الأسنان يحصل منهم أمور وأخطاء لا تنبغي؛ بسبب سوء الفهم، ولكن الكبار هم الذين يرجع إليهم ويعول على كلامهم، كما حصل من عائشة رضي الله عنها وأرضاها حيث بينت له أن الأمر ليس كما يفهم ولو كان الأمر كذلك لكانت الآية: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما)، ثم بينت له سبب نزول الآية، وأن الأنصار الذين هم أهل المدينة من الأوس والخزرج كانوا يعبدون صنماً يقال له: مناة التي جاء ذكرها في القرآن، وكانت عند قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا أو يسعوا بين الصفا والمروة، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:١٥٨] يعني: هذا الشيء الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية ويتحرجون منه في الإسلام، فقد جاء الإسلام بإذهاب هذا الشيء الذي كانوا يتحرجون منه، وأنه لا حرج أن يطوفوا بهما.

إذاً: السعي بين الصفا والمروة جاءت الأحاديث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تدل على أنه واجب بل إنه فرض، ولهذا قال جمهور أهل العلم بفرضه وأنه ركن من أركان العمرة وركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به ولا تتم العمرة إلا به.

إن معرفة سبب النزول يعين على فهم المعنى، فـ عروة رحمه الله لما عرف من عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن الأنصار كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ويتحرجون بعد الإسلام، فجاء الإسلام بأنه لا حرج وأن الإنسان عليه أن يفعل ذلك الشيء، فهم معنى الآية فهماً صحيحاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>