[شرح حديث ابن عباس (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي أخبرنا هشام بن حسان حدثني عكرمة عن ابن عباس (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ شريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حَدٌّ في ظهرك، قال: يا رسول الله! إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينّة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: البينة وإلا فحد في ظهرك، فقال هلال: والذي بعثك بالحق نبياً إني لصادق، ولينزلن الله في أمري ما يبرئ به ظهري من الحد, فنزلت: ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ)) [النور:٦] فقرأ حتى بلغ: ((مِنَ الصَّادِقِينَ)) [النور:٩]، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما فجاءا، فقام هلال بن أمية فشهد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب؟! ثم قامت فشهدت، فلما كان عند الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين قالوا لها: إنها موجبة، قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع، فقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين فهو لـ شريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن)].
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة أخرى حصلت لـ هلال بن أمية رضي الله عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك.
قوله: [(قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
أي: قذفها بالزنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك) أي: إما أن تقيم البينة وتسلم من الحد، أو أنك تُجلد حدّ القذف وهو ثمانون جلدة.
فحلف إنه لصادق، ولينزلنّ الله ما يبرئ ساحته ويثبت أنه صادق فيما قال، فأنزل الله عز وجل الآيات التي في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَؤاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:٦ - ٩] فدعا بهما فتلاعنا.
قوله: [(الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب)].
أي: عرض عليهما التوبة وألا يُقدِمَا على هذه الملاعنة، فأراد أن يتبين الأمر بدون ذلك؛ ولكنهما استمرا على ذلك، وكان هلال صادقاً فيما قال.
قوله: [(إن جاءت به أكحل العينين، سابغ الإليتين، خدلج الساقين، فهو لـ شريك بن سحماء)، وهو الذي اتُّهمت به، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [(لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن)].
أي: لولا ما مضى من الحكم باللعان وهو من كتاب الله، لكان له معها شأن آخر، يعني: أنها هي الكاذبة فيما قالت، وهو صادق فيما قال.
قوله: [(أكحل العينين)] أي: شدة سواد في شدة بياض.
[(سابغ الإليتين)] أي: كبير الإليتين.
[(خدلج الساقين)] أي: غليظ الساقين.