شرح حديث (ما من رجل يسلك طريقاً يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من رجل يسلك طريقاً يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو يشتمل على جملتين: الجملة الأولى هي مثل الجملة الأولى في حديث أبي الدرداء وفيها: (ما من أحد يسلك طريقاً ليحصل به علماً إلا سلك الله به طريقاً إلى الجنة).
والجملة الثانية:(ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
وحديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم في صحيحه مطولاً، وهو مشتمل على أمور أخرى غير هذين الأمرين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) كل هذه الجمل موجودة في صحيح مسلم.
وقد أورد النووي رحمه الله هذا الحديث في الأربعين النووية؛ لأنه من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث حديث عظيم، والحافظ ابن رجب ضمن كتابه جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم شرح هذا الحديث الذي هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفيه جمل فيها أن الجزاء من جنس العمل، كقوله:(من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه بها كربة من كرب القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) وبالمناسبة فإن الذي يحصل لإخواننا المسلمين كالأفغانيين من الذهاب عن بلادهم ونزوحهم؛ بسبب الحرب التي حصلت في بلادهم، هم في حاجة إلى المساعدة وإلى الإعانة وإلى بذل ما يمكن إفادتهم به من المطاعم والملابس وما إلى ذلك، ويدخل هذا في قوله:(من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، ولاشك أن إخواننا المساكين الذين يحصل لهم ما يحصل من الضرر، ويحصل لهم الهروب من مساكنهم ومن بلادهم، وينالهم ما ينالهم من النصب والمشقة، ويصيرون في العراء بدون مأوى وبدون طعام؛ هم بحاجة إلى مساعدة إخوانهم المسلمين الذين يمدون لهم يد العون.
وقوله صلى الله عليه وسلم:(من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: أن العمل هو الذي يقرب إلى الله عز وجل، وهو الذي يرتفع الإنسان به درجةً عند الله عز وجل، وليست الأنساب هي التي تقدم وتقرب إلى الله عز وجل، ولكن النسب إذا وجد مع العمل الصالح فهذا شيء طيب، ولكن النسب بدون عمل صالح لا ينفع ولا يفيد، فمن بطأ به عمله على أن يصل إلى المنازل العالية والدرجات الرفيعة، وأن يكون من أهل الجنة، فليس نسبه هو الذي يسرع به إلى المنازل العالية، ويوصله إلى الدرجات الرفيعة عند الله عز وجل، وإنما العمل الصالح هو الذي يوصل إلى هذه المنازل، وإلى دخول الجنة، كما قال الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب وهذان البيتان ذكرهما الحافظ ابن رجب في آخر شرح هذا الحديث من كتابه جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، فالتعويل هو على العمل الصالح وليس على الأنساب؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[الشعراء:٢١٤] قال: (يا بني فلان! يا بني فلان! ثم قال: يا صفية عمة رسول الله! أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً).