[موافقة عقيدة السلف الصالح وما كانوا عليه للفطرة السليمة]
هذا الأثر الطويل هو عن تابعي، وهو عمر بن عبد العزيز الخليفة الإمام المشهور الذي كان على رأس المائة، وقد ولي الخلافة لمدة سنتين، وتوفي وعمره أربعون سنة -رحمة الله عليه- وكان إماماً فقيهاً محدثاً، وقد جاءت عنه نقول كثيرة في بيان السنة، وفي التحذير من البدع والأهواء، ومن ذلك هذا الأثر الطويل الذي ساقه المصنف هنا، وقد جاء عنه أثر آخر مشهور وهو أن رجلاً سأله عن شيء من الأهواء، فقال له:(الزم دين الصبي والأعرابي، والْهُ عما سوى ذلك) أي: خذ بما هو باقٍ على الفطرة، وهو الذي عليه العوام والصبيان والأعراب الذين لم تتلوث أفكارهم بشيء من الأهواء، فهم ما زالوا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهذا كما كشأن الجارية التي سألها رسول الله صلى الله عليه فقال لها:(أين الله؟ فأشارت إلى السماء، وسألها عن نفسه، فأشارت إلى أنه رسول الله -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه)، فعقيدة أهل السنة والجماعة مطابقة للفطرة، وعقائد المتكلمين خارجة عن الفطرة، ولهذا فإن العوام على عقيدة سليمة، وأما الذين تعلموا في المؤسسات العلمية التي تنهج مناهج مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة فقد انحرفوا عن الجادة بسبب ذلك، ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه كما جاء في (طبقات ابن سعد): (إلزم دين الصبي والأعرابي)، أي: الزم الشيء الذي كان عليه الصبيان والأعراب، وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فصر إليه ولا تصر إلى شيء يخالفه، وهذا الذي قاله عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه قد جاء عن بعض المتكلمين الذين ابتلوا بعلم الكلام، ومنهم الرازي، فإنه كان من المتمكنين في علم الكلام، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمته في (لسان الميزان) نقلاً عن بعض أهل العلم عنه أنه كان يقول مع تبحره في علم الكلام: الفائز من كان على عقيدة العجائز، يعني: على الفطرة.
إن كثير ممن ابتلوا بعلم الكلام ندموا على ذلك، وأظهروا الندم والحسرة، وفيهم من ذم علم الكلام كما حصل من الغزالي في كتابه:(الإحياء) فإنه ذمه ذماً بليغاً، ونقل ذلك عنه في (شرح الطحاوية) وقال: كلامُ مثله في ذلك حجة بالغة؛ لأنه تكلم فيه عن علم، فقد كان متمكناً فيه، {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر:١٤]، وقد ذمه ذماً بليغاً وعظيماً.
إذاً: فعقيدة العوام والأعراب والصبيان عقيدة مبنية على الفطرة، فلم تتلوث بأفكارٍ خارجة عن الفطرة جاءت نتيجةً للتعلم، أو بسبب الأخذِ عن أهل البدع والأهواء.