قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو حدثنا عبد الوارث حدثنا أبو الجلاس عقبة بن سيار حدثني علي بن شماخ قال: شهدت مروان سأل أبا هريرة رضي الله عنه: (كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي على الجنازة؟ قال: أمع الذي قلت؟ قال: نعم، -قال: كلام كان بينهما قبل ذلك- قال أبو هريرة: اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئناك شفعاء فاغفر له)].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن مروان بن الحكم سأله: (كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة؟) والمراد بذلك الدعاء، أي: كيف سمعته يدعو للميت في صلاة الجنازة؟ (قال: أمع الذي قلت؟) وفي هذا إشارة إلى كلام سابق كان بينهما قبل هذا السؤال.
وهذا فيه ثناء على الله عز وجل قبل الدعاء، ومعلوم أن التمهيد للدعاء بالثناء عليه وتعظيمه وتمجيده تعالى أمر مطلوب ينبغي للعبد أن يحرص عليه، وأن يعنى به.
وقوله:(وجئناك شفعاء) أي: ندعوك، فالمقصود بالشفاعة هنا، أي: جئناك نطلب منك أن تغفر لها، وأما ما قبله فإنما هو تمهيد له، ووسيلة إليه.
وإذا قيل: كيف يكون هذا والله جل وعلا يقول {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء:٢٨]، فلا بد من الإذن؟ فيقال: لقد أذن الله تعالى في الشفاعة بالدعاء، ومعنى هذه الآية:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء:٢٨]، أي: أن الشفاعة في الآخرة لا تكون إلا لمن أذن الله له فيها، ولا تكون إلا لمن رضي قوله وعمله، وأما بالنسبة للدنيا فالشفاعة دعاء، والدعاء مأذون فيه، وقد مر في الحديث:(إنه لا يصلي عليه أربعون يشفعون فيه إلا شفعهم الله فيه) أي: يدعون له.