للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإيمان بالبعث الجسماني وكيفيته]

وعندما يبعث الناس من قبورهم فإن نفس الأجساد التي وضعت في القبور هي التي تعود، ولا تأتي أجساد جديدة غير التي وضعت في القبور؛ لأن الله تعالى يقول: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [ق:٤] أي: فنحن نعيده، وقد جاء في النصوص ما يدل على كيفية البعث، ومنها قصة الرجل الذي أسرف على نفسه وأوصى بنيه بأن يحرقوه إذا مات ويذروا بعض رماده في البحر وبعضه في البر، وقال: لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فأمر الله عز وجل البحر أن يخرج ما فيه، والبر أن يخرج ما فيه، ثم أمر تلك الذرات، وكل ذرة وقعت في مكانها، حتى عاد الجسد كما كان.

ومثل ذلك قصة الطيور التي ذكرت في قصة إبراهيم، حيث أمره الله بأن يأخذ أربعة من الطيور فيجعلهن إليه، ثم يذبحهن ويقطعهن ويخلط اللحم بعضه ببعض حتى يصير كتلة واحدة، ثم يجعل على كل رأس جبل قطعة من هذه الكتلة، ثم يدعوهن فتنطلق كل ذرة وكل قطعة حتى تأتي إلى مكانها الذي يخصها من ذلك الطائر، حتى تعود الطيور على ما كانت عليه.

والأجساد نفسها هي التي تبعث، وهذا هو الذي تقتضيه حكمة الله، حيث إن الجسد الذي أساء هو الذي يعذب، والجسد الذي أحسن هو الذي ينعم، ولهذا قال الله عز وجل في القرآن: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥]، معناه: أن الأجساد التي كانت في الدنيا هي التي تتكلم؛ لأنها شهدت بما عمل في الدنيا، ولو كانت أجساماً جديدة لما كانت تعرف شيئاً عن الدنيا، فكيف تشهد؟! وقال الله عز وجل: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:٢١]، فإذاً: تلك الأجساد هي التي تعاد وهي التي تنعم وتعذب، ولا يخلق أجساداً جديدة فتعذب أو تنعم؛ لأن الأجساد الجديدة لا تعرف شيئاً عن الدنيا، والأجساد التي كانت موجودة في الدنيا هي التي أخبر الله بأنها تشهد.

وقولنا: إن الذي يبعث هو الذي كان في الدنيا، ليس معناه: أنهم ينبتون ويخلقون خلقاً جديداً لا علاقة له بالدنيا، نعم تنشق القبور عن أصحابها، ولكن نفس الجسد الذي كان في الدنيا يجمع الله تعالى بعضه إلى بعض، فيخرج من الأرض ما دخل فيها، كما قال الله عز وجل: ((قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ)) أي: فنحن نعيده، فإذا انشقت عنهم القبور خرجوا يمشون: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:٤٣] فهذه كيفية البعث.

<<  <  ج:
ص:  >  >>