قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الوصية للوارث.
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا ابن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعت أبا أمامة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:(إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث)].
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه تحت باب ما جاء في الوصية لوارث، أي: أنها لا تجوز؛ لأن الميراث قد شرعه الله عز وجل وكل يأخذ نصيبه من الميراث؛ فلا يوصى لوارث لا من الثلث ولا من غير الثلث؛ لأن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك لا يجوز بحال لقوله:(لا وصية لوارث)، حتى ولو أجاز الورثة؛ لأن ذلك دخول في شيء منع منه، ولأن هذا فيه إيثار وتقديم لبعض الورثة، ومنهم من أجاز ذلك إذا أجازت الورثة؛ فتصح الوصية بإجازة الورثة.
أورد أبو داود حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث) أي: أعطى كل ذي حق حقه من المواريث التي بينها في كتابه العزيز، وكذلك بينها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة.
ثم قال:(فلا وصية لوارث) يعني: أنه بعد أن أعطى كل ذي حق حقه من الميراث فلا يوصى للورثة.
وهذا الحديث مما يستدل به بعض الأصوليين على نسخ القرآن بالسنة، وذلك أن قوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}[البقرة:١٨٠]، حكم ثبت بالكتاب، وقوله:(لا وصية لوارث)، حكم ثبت في السنة، فقالوا: إن هذه الآية نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).
والذي يبدو أن القول الأول هو الأولى، وأنه لا يجوز أن يوصى للوارث ولو أجاز ذلك الورثة.
وما جاء نفيه من أنه لا وصية له، يعني: الوصية في حدود الثلث، لكن إذا أوصى بغيره، فإذا أجازه الورثة فلا بأس بذلك، وكما هو معلوم حتى في الحياة فإن التمييز بينهم في العطية لا يجوز، بل يجب التسوية بينهم في العطية، وهنا يوجد تمييز لهم، فالأجنبي له أن يعطيه في حياته، ولكن ليس له أن يعطي أحد أولاده ويحرم الباقين، لكن إذا أعطى واحداً من أولاده يعطي الباقين مثله، ولا عبرة برضاهم أو عدم رضاهم في الحياة وبعد الممات؛ لأنهم حتى لو رضوا فإن النفوس قد لا يوجد فيها ارتياح واطمئنان.