قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الرجل يحج عن غيره.
حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم بمعناه قالا: حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين رضي الله عنه أنه قال حفص في حديثه رجل من بني عامر أنه قال: (يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: احجج عن أبيك واعتمر)].
سبق البدء في هذه الترجمة وهي: باب الرجل يحج عن غيره، وقلنا: إن ذكر الرجل لا مفهوم له، والمقصود من ذلك هو الحج عن الغير، سواءً كان الحاج رجلا ً أو امرأة، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله ثلاثة أحاديث: الحديث الأول: حج امرأة عن رجل، وهو حديث الخثعمية.
والحديث الثاني: حج رجل عن رجل.
ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:(إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن).
أي: لا يستطيع أن يركب ولا يستطيع أن يمشي، أي: أنه قد بلغ به الكبر بحيث إنه يتمكن من أن يمشي أو يركب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(حج عن أبيك واعتمر)، فدل هذا على أن الرجل يحج ويعتمر عن غيره.
وهذا من الأدلة التي يستدل بها على وجوب العمرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:(حج عن أبيك واعتمر) وذلك عندما ذكر له أنه لا يستطيع الحج والعمرة.
فأمره أن يحج عن أبيه ويعتمر، فدل ذلك على وجوب العمرة، وقد مر بنا حديث الصبي بن معبد، وفيه أنه كان نصرانياً فأسلم، وأنه كان يحب الجهاد، ولكنه وجد أن الحج والعمرة مكتوبين عليه، فجاء إلى رجل من قومه فأرشده أن يجمع بينهما -أي بين الحج والعمرة- فجاء إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه وذكر له القصة، فقال له:(هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم)، وهذا الحديث هو أقوى ما يستدل به على وجوب العمرة، وقد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: هذا أصح شيء جاء في وجوب العمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث مطابق للترجمة من جهة أن يحج الرجل عن غيره، فهذا يدل على أن للإنسان أن يحج عن غيره، وهذا إذا كان ميتاً، وأما إذا كان حياً، فيجوز ذلك في حالتين اثنتين: إحداهما: أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر، كما جاء في هذا الحديث وحديث الخثعمية السابق، والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، وهو في معناه.