[من أحكام العطايا والمنح وقسمتها بين الأولاد]
مما ينبغي أن يعلم: أن ما سبق هو فيما يتعلق بالعطايا والمنح، وأما إذا كان الشخص فقيراً وأولاده متفاوتون فيهم الغني والفقير، وأعطى الفقير لفقره شيئاً يقتاته لا أن يعطيه مالاً يتموله دونهم، فله ذلك بأن يعطيه شيئاً ينفق به على نفسه منه، وكونه يحسن إليه من أجل الأكل أو اللبس فلا بأس بذلك لفقره، وأما أن يعطيه عقاراً أو أموالاً يتمولها فليس له ذلك.
وقد جاء الحديث في الصحيح: أنه وهب النعمان حائطاً، ولعل هذا من اختلاف الرواة، ولعل بعضها أرجح من بعض، وأما أن تكون قضيتين مستقلتين ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قال له مثل هذا الكلام ثم يعود الصحابي إلى فعله ثانية فإن هذا مستبعد؛ إذ كيف تحصل القصة ويبين عليه السلام الحكم ثم يتكرر نفس الفعل في المرة الثانية، ثم يعود الصحابي يستفتي وقد عرف ذلك من قبل، فهذا بعيد، وتعدد الروايات قد يحمل على أنه منحه هذا ومنحه هذا، فيصدق عليه أنه ذكر هذا على حدة وهذا على حدة.
[قال أبو داود في حديث الزهري: قال بعضهم: (أكل بنيك)، وقال بعضهم: (ولدك)].
فالأولاد يدخل فيهم الذكور والإناث، وأما البنين فيطلق على الذكور ويدخل البنات في هذا الحكم، ويكون ذكر البنين على سبيل التغليب، وأما الولد فإنه يشمل الذكر والأنثى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١]، {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء:١٢] يعني: ذكراً أو أنثى؛ لأن الولد يراد به الذكر والأنثى.
[وقال ابن أبي خالد عن الشعبي فيه: (ألك بنون سواه؟)، وقال أبو الضحى عن النعمان بن بشير: (ألك ولد غيره؟)].
وهذا اختلاف في العبارات، وهو مثل: ألك ولد؟ والولد يشمل الذكر والأنثى، والبنين خاصة بالأبناء؛ ويقابلها البنات، وعلى هذه الرواية يكون ذكر البنين على سبيل التغليب لا أن الحكم خاص بالبنين دون البنات، فالبنون والبنات كلهم أولاد مستحقون لأن يسوى بينهم، إلا أن الفرق بين الذكور والإناث: أن الإناث يعطين على النصف مما يعطاه الذكور كالشأن في الميراث؛ لأن المال قسمه الله عز وجل على أنه للذكر مثل حظ الأنثيين، والفرق بين الذكور والإناث أن الذكر حقه قابل للنقصان وأما الأنثى فحقها قابل للزيادة؛ لأنها تتزوج ويكون لها مهر وزوجها ينفق عليها، وأما الولد فهو يبحث عن مهر وينفق على نفسه وعلى زوجته وأولاده، فمن أجل ذلك حصل التفريق بينهما، فإذا حصل أن أعطوا في الحياة فإنهم يعطون كما يعطون بعد الوفاة.
وبعض الناس يفعلون أمراً يخالف الشرع فيما يتعلق بالذكور والإناث، فيريد أن يسوي بينهم في الميراث فيعطيهم في الحياة بالتسوية حتى لا يقسم بينهم الميراث وتعطى المرأة النصف، فيكون في ذلك مخالفة للشرع إذا كان ذلك مقصوداً، وقال بعض أهل العلم: يسوي بين الذكور والإناث في العطية، ولكن الأظهر -والله أعلم- أنه لا يسوى بين الذكور والإناث.
وأما رواية مجالد فهو ليس بالقوي، ولكن معناها صحيح؛ لأن العدل هو أن يبروه جميعاً، فكذلك عليه أن يعدل بينهم، وقد جاء: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فلا بأس أن يعطى كل واحد مائة ريال، أو ألف ريال، أو عشرين ألف ريال أو أقل أو أكثر، فهذه تسوية، لكن الإناث تكون على النصف.
ورواية مجالد حكم عليها الشيخ الألباني بالشذوذ وقال: صحيح إلا هذه، ولكنها من حيث المعنى مستقيمة وليس فيها إشكال؛ لأنه يحب أن يكونوا في البر له سواء، فكذلك عليه أن يعدل، والعدل مطلوب، كما جاء: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) في أحاديث أخرى.
وقد يكون بعض الأبناء أبر بأبيه من بعض فإذا حصل منه له خدمة وانقطع له فله أن يعطيه مقابل هذا الانقطاع، وأما كونه يعطيه أموالاً يميزه بها عن غيره تكون أكثر مما يقابل هذا الذي بذله من أجله وأراد أن يكافأ عليه، فليس له ذلك.
[قال أبو داود في حديث الزهري].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقال ابن أبي خالد عن الشعبي].
ابن أبي خالد هو إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقال أبو الضحى: عن النعمان].
أبو الضحى هو مسلم بن صبيح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.