[شرح الحديث الوارد في سبب نزول قوله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن سليمان الأنباري وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: (لما توجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله! فكيف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:١٤٣])].
أورد أبو داود حديث ابن عباس:(أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توجه إلى الكعبة) أي: بعد أن كان متوجهاً إلى بيت المقدس أمر أن يستقبل البيت الحرام، وذلك أن القبلة كانت إلى بيت المقدس، فاستقبل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة واستقبلها الناس معه، وكان ذلك بعد الهجرة بستة عشر شهراًً، عند ذلك قال جماعة من الصحابة:(ما بال إخواننا الذين كانوا يصلون إلى القبلة الأولى ولم يصلوا إلى هذه القبلة؟)، أي: أنهم لم يدركوا هذا الشيء الذي حصل، (فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:١٤٣])، والمقصود بالإيمان هنا: الصلاة، أي: يضيع صلاتكم إلى البيت المقدس.
وفي هذا إطلاق الإيمان على الصلاة، فهو يدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان؛ فالصلاة هي مجموعة أعمال وقد سماها إيماناً.
وأما من ناحية الزيادة فتظهر في أن الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس أولاً، وكتب الله لهم الحياة حتى أدركوا الصلاة إلى بيت الله المسجد الحرام، فإن عندهم زيادة في الأعمال على من مات قبلهم، لكن قد جاء ما يدل على أن السابقين الأولين ممن تقدم إسلامه، ونصر الرسول صلى الله عليه وسلم أن القليل منهم لا يساويه الكثير ممن جاء بعد ذلك وتأخر إسلامه، كما جاء في حديث:(لا تسبوا أصحابي) وذلك عندما جرى بين خالد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما بعض الشيء، ومعلوم أن الإنسان كلما طال عمره وحسن عمله فإن ذلك زيادة خير وثواب عند الله عز وجل.