روى الإمام معمر بن راشد في الجامع الملحق بمصنف عبد الرزاق عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده! ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويجاهدون معنا، فأدخلتهم النار، قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم) الحديث ثم قال: (ثم يقول الله: شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين، قال: فيقبض قبضة من النار -أو قال: قبضتين- ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، قد احترقوا حتى صاروا حمماً)، الحديث.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو من رواية عبد الرزاق عن معمر، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة في التوحيد وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة، وكذلك أخرجه مسلم والبخاري بلفظ:(فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه).
السؤال
ما معنى قوله:(لم يعملوا خيراً قط)، وهل يكون الحديث حجة للذين يجعلون الأعمال شرط كمال، مع أن ظاهر الحديث يؤيد ما ذهبوا إليه ولا قرينة صارفة؟
الجواب
الأعمال ليست على حد سواء، بل هي متفاوتة، فيها ما يكون كمالاً وفيها ما لابد منه، ومعلوم أن الأعمال من الإيمان، وهي داخلة في مسمى الإيمان، والمسلم عندما يدخل في الإسلام يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولابد أن يأتي بمقتضى الشهادتين، وليس معنى ذلك أنه يدخل في الإسلام ثم لا يصلي لله ركعة، ولا يزكي، ولا يحج، ولا يفعل الأعمال مطلقاً، فالحديث لا أدري على أي وجه يحمل إذا كان صحيحاً وإلا فإن الأعمال لابد منها.
فالشهادتان لابد من العمل بمقتضاهما، وإلا فإن المنافقين يقولونها ومع ذلك لا تنفعهم، ومن كان مؤمناً وهو صادق الإيمان فإن مقتضى ما عنده من الإيمان أن يأتي بالأعمال الصالحة كما قال بعض السلف: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
والحاصل: أنه لا يجوز أن يبحث عن أشياء يستهان بسببها بالأعمال، فبعض الناس يعتمد على أحاديث الوعد، ثم يهملون أو يضيعون ويفوتون على أنفسهم تحصيل الأعمال الصالحة؛ بسبب ما يسمعونه من أحاديث الوعد، فلابد من مراعاة الوعد ولابد من مراعاة الوعيد، فلا يغلب أحد جانب الوعد ولا يغلب جانب الوعيد، بل لابد من هذا وهذا.
وهذه اللفظة يستدل بها من يقول بعدم كفر تارك الصلاة.
أما حديث المفلس فلا دلالة فيه على شيء؛ لأنه يدل على أنه كان عنده شيء ولكنه ذهب، حيث أخذه الدائنون، فيمكن أن يكون المعنى أنهم ما عملوا شيئاً بقي لهم أو ينفعهم، لا أنهم دخلوا في الإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله ثم لم يسجدوا لله سجدة، ولم يطعموا مسكيناً، ولم يحجوا، ولم يصوموا يوماً من الدهر.