للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التلازم بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية]

ويأتي في القرآن كثيراً توحيد الربوبية لا لأن الكفار أنكروه، ولكن لينتقل منه إلى توحيد الألوهية، وليلزم من أقر به أن يقر بالألوهية، ولهذا يقولون: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية بمعنى أن من أقر بالأول يلزمه أن يقر بالثاني، فإذا اعترف بأن الله الخالق وحده الرازق وحده المحيي وحده المتصرف بالكون وحده، لزمه أن يقر بأن الله هو المعبود وحده، فلا يعبد مع الله مخلوقاً، وإنما يعبد الخالق وحده، فكما أنه متفرد بالخلق والإيجاد، فكذلك يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.

ويأتي في القرآن كثيراً تقرير توحيد الربوبية للانتقال لتوحيد الألوهية والإلزام به، كما قال الله عز وجل في سورة النمل: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل:٦٠].

هذا تقرير توحيد الربوبية، والمقصود من هذا السياق: {أإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:٦٠]، استفهام إنكار معناه أن الذي انفرد بالخلق والإعجاز، لماذا لا يفرد بالعبادة؟ فإذاً هذا التقرير ليس لأنهم منكرون له فيلزمون به، بل هم مقرون؛ لكن المقصود من ذلك الانتقال إلى الإلزام بالألوهية، {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل:٦٠] أي: يسوون بين الله وغيره.

ثم قال: {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاًءَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النمل:٦١].

وهكذا يأتي في القرآن تقرير توحيد الربوبية من أجل الانتقال منه إلى الإلزام بالألوهية.

وكذلك العكس، فإنهم يقولون: توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، أي: أن من أقر بالألوهية فقد أقر بالربوبية ضمناً، لأنه لا يصلح أن يثبت الألوهية وينكر الربوبية، فمن يعبد الله وحده ويخصه بالعبادة لا يقول: إن لله شريكاً في خلق السماوات والأرض، ولكن من أقر بالربوبية قد ينكر الألوهية كما حصل من الكفار الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء الإلزام لهم بالألوهية كما تقدم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>