[ركوب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة وذهابه إلى الموقف في عرفة]
قوله: [(ثم ركب القصواء حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة)].
أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى المكان الذي وقف فيه وجعل بطن ناقته إلى الصخرات.
وحبل المشاة هو الطريق الذي يمشي منه المشاة، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعله أمامه بين يديه واستقبل القبلة وجعل يدعو الله عز وجل، وهذا هو الوقوف، ويكون بعد الزوال وبعد تأدية صلاة الظهر والعصر جمع تقديم، ولهذا يشرع الجمع جمع تقديم في أول وقت الظهر، لأنه بعد بذلك يبدأ الوقوف ويستمر إلى الغروب، وليس هناك صلاة تفصل، وإنما هي الظهر والعصر قد فرغ منهما في أول الوقت، فيمتد وقت الوقوف من وقت الفراغ من الصلاتين إلى أن تغرب الشمس، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في ذلك المكان وقال:(عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة) فليس معنى ذلك أن هذا الموقف الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو مكان الوقوف، بل عرفة كلها موقف.
قوله: [(فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص)].
هذا يدل على أن الإنسان يقف بعرفة حتى تغيب الشمس ويذهب القرص ويتحقق الغروب، وبعد ذلك يأتي وقت الانصراف والإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، فيستمر الإنسان إلى الغروب، ولا يصلي المغرب والعشاء في عرفة وإنما يصليهما في مزدلفة إذا وصل إليها.
إذاً: عندما تغرب الشمس ويتحقق الغروب يحصل الانطلاق والإفاضة من عرفة إلى مزدلفة، ولكن هناك أمر مهم للحجاج وهو أن الإنسان عليه أن يتحقق أنه في داخل حدود عرفة، ولا يكفي أن يرى الجبل الذي يسمى جبل الرحمة من مكان بعيد ويقول: هذه عرفة، فإنه يرى من أماكن بعيدة جداً خارج عرفة، ولكن المهم في الأمر هو الوقوف بعرفة وبأرض عرفة، وأرض عرفة قد جعل لها بنايات وعلامات وكتب عليها كتابات من مختلف اللغات، فإذا كان الإنسان يريد أن يخرج من عرفة يجد مكتوباً منتهى عرفة، وإذا كان مقبلاً على عرفة تجد مكتوباً عليها من الجهة الأخرى مبتدأ عرفة، فالإنسان عليه أن يتحقق من أنه في داخل هذه الحدود ولا يتهاون في الأمر؛ لأنه لو وقف خارج عرفة فلا يعتبر وقف بعرفة، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولو حصل منه أن خرج من الحدود لأمر من الأمور قبل الغروب فعليه أن يرجع حتى تغرب عليه الشمس وهو بعرفة، وبعد أن تغرب الشمس ويتحقق الغروب ينطلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما غابت الشمس وذهبت الصفرة انطلق صلى الله عليه وسلم وأفاض ومعه أصحابه متجهين إلى مزدلفة.
والوقوف -كما هو معلوم- هو المكث بعرفة سواء كان الإنسان واقفاً أو راكباً أو جالساً، وليس معنى الوقوف بعرفة أن يكون الإنسان واقفاً على رجليه، بل يكون راكباً ويكون وافقاً ويكون جالساً كل ذلك يطلق عليه وقوف.