[شرح حديث (نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن الحكم، ح: وحدثنا قتيبة حدثنا الليث عن جعفر بن عبد الله الأنصاري عن تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) هذا لفظ قتيبة].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نقرة الغراب، وذلك في حال الركوع والسجود، يعني أنه يهوي للركوع ثم يرفع بسرعة ويهوي للسجود ثم يرفع بسرعة مثل الغراب الذي يلتقط شيئاً من الأرض، فهو يضع منقاره ثم يرفعه بسرعة بعدما يأخذ الشيء الذي يريد أكله، وكذلك من يصلي ويركع بسرعة ويسجد بسرعة بحيث لا يطمئن في ركوعه ولا في سجوده، فهو يرفع رأسه دون أن يطمئن كما يفعل الطائر الذي يلقط الشيء الذي يأكله، فإنه يضع منقاره على الأرض ويأخذه بسرعة ثم يرفعه وهكذا، وهذا فيه عدم الاطمئنان في الصلاة والعجلة فيها والسرعة التي لا استقرار فيها ولا هدوء فيها.
قوله: [(وافتراش السبع)].
يعني كونه عندما يسجد يمد ذراعه كله ويجعله على الأرض، بحيث يكون مرفقه على الأرض وكفه على الأرض مثل افتراش الكلب أو السبع، والصحيح أن يضع كفيه على الأرض ويرفع مرفقيه ويجافيهما عن جنبيه، هذا هو المشروع وهذا هو السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير)].
يعني أن غير الإمام يتخذ مكاناً لا يصلي فرضه إلا فيه، بحيث يكون دائماً وأبداً لا يصلي الفرض إلا في هذا المكان، مثل ما يفعل البعير الذي يألف مكاناً ويأتي ويبرك فيه ولا يتعداه.
وفسر بتفسير آخر لكنه ليس بصحيح، وهو أنه يبرك بحيث يقدم ركبتيه ويهوي بسرعة حتى يكون لهما صوت مثل ما يفعل البعير عندما يثني يديه ثم تقع ركبة يديه على الأرض ويحدث لهما صوت؛ لأن ثقله يكون على ركبتي اليدين، فإذا فعل هذه الهيئة أشبه البعير، لكن معلوم أن الإنسان يصل إلى الأرض بسهولة ويسر، بحيث تقع الركبتان على الأرض دون أن يصير لهما صوت.
وهذا التفسير لا يستقيم؛ لأنه قال: [(في المسجد)] فهذا يدل على أن الأمر هو اتخاذ المكان، وليس المقصود هذه الهيئة التي تكون في المسجد وفي غير المسجد، فكونه ينزل على الأرض بسرعة ليس له علاقة بالمسجد؛ لأنه قد يصلي في المسجد وفي غير المسجد، لكن الشيء الذي يتعلق بالمسجد هو كونه يتخذ مكاناً يلازمه كما يلازم البعير مكانه الذي يكون فيه، ويبدو أنه في الفرض مع الإمام.
وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه المسألة يقول: ويكره لغير الإمام اتخاذ مكان لا يصلي فرضه إلا فيه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيطانه كإيطان البعير.
والنهي عن مكان بذاته، أما كون الإنسان يصلي في جهة معينة فالظاهر أنه جائز والأمر في ذلك واسع، وهذا يختلف؛ لأنه مرة يصلي في مكان ومرة يصلي في مكان، وهذا لا يقال له: توطين مكان؛ لأن هذه أماكن، وإنما المقصود بالنهي هو مكان واحد بعينه، بحيث يكون ملازماً له دائماً وأبداً.