[حكم تنويع أدعية الاستفتاح]
وقد اختار بعض أهل العلم لفظ: (سبحانك -اللهم- وبحمدك) وبعضهم اختار لفظ (اللهم باعد بيني وبين خطاياي).
وبعض أهل العلم يقول: إنه ينبغي أن يؤتى بهذا تارة وبهذا تارة وبهذا تارة.
وهذا الاختلاف الذي حصل من بعض العلماء في اختيار بعض الأدعية في الاستفتاح يسمونه اختلاف التنوع؛ لأن هذه الأدعية أنواع من الاستفتاح، وكل ما ثبت حق، وليس هذا من قبيل اختلاف التضاد؛ لأن اختلاف التضاد مثل أن يقول بعض أهل العلم: (هذا حلال) وبعضهم يقول: (هذا حرام) في شيء واحد، أو يقول بعضهم لشيء معين: هذا يبطل الصلاة.
والآخر يقول: لا يبطل الصلاة.
أو أحد منهم يقول: هذا ينقض الوضوء.
والثاني يقول: لا ينقض الوضوء.
فهذا يسمى اختلاف التضاد.
واختلاف التنوع كله حق، فمادام أنه ثبت فهو حق، فإن أتيت بهذه الصيغة فأنت على حق، وإن أتيت بهذه الصيغة فأنت على حق، وإن أتيت بهذه الصيغة فأنت على حق؛ لأنها كلها أنواع للحق، فمن اختار واحداً منها فإنه أخذ بما هو حق، ومن اختار غيره أخذ بما هو حق، وعلى هذا فمن اختار واحداً من هذه الأدعية يقال عنه: إنه على حق.
ولا يقال: إن هذا من اختلاف التضاد.
وإنما هو من اختلاف التنوع، ومثل ذلك ألفاظ الأذان وألفاظ التشهد في الصلاة، فإن هذا كله من قبيل اختلاف التنوع، فكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يؤتى به، والخلاف في أن يختار بعضهم هذا الدعاء وبعضهم هذا الدعاء وبعضهم هذا الدعاء هو من اختلاف التنوع، وكل منهم مصيب للحق؛ لأن هذه كلها أنواع للحق، ولكن اختلاف التضاد لا يقال فيه: إن كل مجتهد مصيب.
وإنما فيه المصيب وفيه المخطئ، وليس كل مجتهد مصيب فيما يتعلق باختلاف التضاد؛ لأنه لا يقال فيمن قال في مسألة معينة: هي حلال ومن قال: هي حرام لا يقال: إن القائل: (هي حلال) على حق والقائل: (هي حرام) على حق.
ليس هذا بصحيح، وإنما يقال: الاختلاف في ذلك اختلاف تضاد.
وكل مجتهد فيه إما مجتهد مصيب وإما مجتهد مخطئ، والمجتهد المصيب له أجران: أجر على اجتهاده وأجر على إصابته، والمجتهد المخطئ له أجر واحد على اجتهاده، وخطؤه مغفور، فلا يقال: إن كل مجتهد مصيب فيما هو اختلاف تضاد، ولكن يمكن أن يقال في اختلاف التضاد: إن كل مجتهد مصيب باعتبار الأجر.
فيقال: كل مجتهد مصيبٌ أجرا، وإن كانوا متفاوتين في الأجر، فالمجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطئ له أجر واحد، ولكن كلٌ مصيبٌ أجرا، ولكن ليس كلٌ يصيب الحق؛ لأن المجتهدين في مسائل اختلاف التضاد يكون الحق مع واحد منهم وغيره يكون قد أخطأ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (له أجران) و (له أجر واحد) يدل على أن المجتهدين فيهم مصيب وفيهم مخطئ، ولو كان كل مجتهد مصيباً لما كان فيهم مخطئ، ولم يكن لهذا التقسيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى، ولكنه لما قسمهم هذا التقسيم علم بأنه ليس كل مجتهد مصيباً، ولكن يمكن أن يقال: كل مجتهد مصيبٌ أجرا.