العلامة ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرميّ، ولد في تونس سنة ٧٣٢ هـ- ٣٣٢ م، ينحدر من أصل أندلسي إشبيلي، تلقى العلم على عدد كبير من العلماء الاندلسيين الذين هاجروا إلى تونس.
وإذا كان في شبابه اجتذبه بلاط بني مرين في فاس للخدمة فيه فقد أتيح له الاتصال هناك بالوزير لسان الدين ابن الخطيب خلال فترة نفيه مع سلطانه إلى المغرب وقد توطدت بين الرجلين صداقة متينة ظهرت بوضوح في تلك الترجمة التي أفردها له ابن الخطيب في كتابه «الاحاطة في أخبار غرناطة» بعد عودته الى وطنه قال فيه:
... مفخر من مفاخر التخوم المغربية- أي ابن خلدون- شرح البردة شرحا بديعا دل على غزارة حفظه وتفنن إدراكه ولخص كثيرا من كتب- ابن رشد وعلق للسلطان أبي سالم في العقليات تقييدا مفيدا في المنطق، ولخص محصل الامام فخر الدين الرازيّ، وألف كتابا في الحساب، وشرع في شرح الرجز الصادر عني في أصول الفقه بشيء لا غاية فوقه في الكمال [١] » .
وإذا كان ابن خلدون انغمر في حياة سياسية حافلة سواء في بلاط المرينيين بفاس أو الحفصيين في تونس فإنه اعتزل السياسة وآثر الانطواء بعد مقتل صديقه ابن الخطيب في سجنه فقد ملّ السياسة وانسحب من الحياة العامة واختلى أربع سنوات ٧٧٦- ٧٨٠ هـ- في قلعة بني سلامه في ولاية وهران غربي الجزائر وفي تلك الخلوة كتب «مقدمة» والتي اشتهرت بمقدمة ابن خلدون والتي قال عنها هو: «سالت فيها شآبيب الكلام والمعاني على الفكر حتى امتخضت زبدتها وتألفت نتائجها، على ذلك النحو الّذي اهتديت إليه في تلك الخلوة» .
وعاش ابن خلدون بعد ذلك مدة طويلة ارتحل خلالها الى الشام ومصر حيث ولي منصب قاضي القضاة المالكية، في مصر عدة مرات، وتصادف أيضا وجوده في دمشق عند ما حاصرها المغولي، تيمور لنك. وتمكن من الخروج قاصدا تيمور لنك، متوسلا إليه إنقاذ المدينة. وبعدها
[١] يشير بذلك الى كتاب الحلل المرموقة في اللمع المنظومة لابن الخطيب وهو الفية في أصول الفقه.