كان السلطان يعقوب [١] في صباه مؤثرا للذاته ومستترا بها عن أبيه يعقوب بن عبد الحق لمكانه من الدين والوقار. وكان يشرب الخمر ويعاقر بها الندمان. وكان خليفة بن رقاصة من اليهود المعاهدين بفاس قهرمانا لداره على عادة الأمراء في مثله من المعاهدين، فكان يزدلف إليه بوجوه الخدم ومذاهبها، فاستعمله هذا الأمير في اعتصارها والقيام على شئونها، فكانت له بذلك خلوة منه أوجبت له الحظّ عنده، حتى إذا هلك يعقوب بن عبد الحق واستقلّ ابنه يوسف بأعباء ملكه، واتصلت خلواته في معاقرة الندمان، وانفرد ابن وقاصة بخلوته ذلك مع ما كان من القهرمة، عظمت رياسته وعلا كعبه في الدولة. وتلقى الخاصة الأوامر منه، فصار له الوجه بينهم وعظم قدره بعظم الدولة.
(أخبرني) شيخي الأبلّي قال: وكان لخليفة هذا أخ يسمى إبراهيم، وابن عم يسمى خليفة، لقّبوه بالصغيرة لمكانه هو من هذا الاسم. وكان له صهر يعرفون ببني السبتي، كبيرهم موسى، وكان رديفه في قهرمته، فلم يفق السلطان من نشوة صباه وملهاه حتى وجدهم على حال استتبعوا فيها العلية من القبيل والوزراء والشرفاء والعلماء. وأوجده السبيل عليهم، فسطا بهم سطوة واحدة واعتقلوا في شعبان من سنة إحدى وسبعمائة بمعسكره من حصار تلمسان. وقتل خليفة الكبير وأخوه إبراهيم وموسى بن السبتي وإخوته بعد أن امتحنوا ومثّل بهم، وأتت النكبة على حاشيتهم وذويهم وأقاربهم، فلم تبق منهم باقية. واستبقى منهم خليفة الأصغر احتقارا لشأنه، حتى كان من قتله بعد ما نذكر، وعبث بسائرهم، وطهّرت الدولة من رجسهم، وأزيل منها معرّة رياستهم، والأمور بيد الله سبحانه.
[(الخبر عن مهلك السلطان أبي يعقوب)]
كان في جملة السلطان وحاشيته مولى من العبيد الخصيان من موالي ابن الملياني يسمى