للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عمر على أوطانه. حتى إذا أخذ السلطان أبو الحسن بحجزتهم وأطل عليهم من مراقبة فعادوا إلى أوكارهم بعد أن استبدّوا [١] ، وتنفّس مخنق الثغور الغربية من حصارهم، وزال عن كاهل الدولة إصر معاناتهم وسكن اضطراب الخوارج على الدولة خفتت أصوات المرجفين في ممالكها، وصرف السلطان نظره في أعطاف ملكه ومحو الشقاق من سائر أعماله، وسمت همّته إلى تدويخ القاصية من بلاد الجريد واستنقاذ أهلها من أيدي الذئاب الغاوية والكلاب العاوية زعماء أمصارها وأعراب فلاتها، فنهض إلى قفصة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وقد كان استبدّ بشوراها يحيى ابن محمد بن علي بن عبد الجليل بن العابد الشريدي من بيوتاتها، فنازلها أياما والعساكر تلجّ عليها بأنواع القتال، ونصب عليها المجانيق فامتنعوا. ثم جمع الأيدي حتى قطع تحيّلهم وامتناع صرائحهم [٢] فنادوا بالأمان فأمّنهم. وخرج إليه ابن عبد الجليل رئيسهم الآخر من سنته، فأشخصه إلى الحضرة وأنزله بها ورجالات من قومه بني العابد. وفرّ سائرهم إلى قابس فنزل في جوار ابن مكي ودخل أهل البلد في حكمه، وتفيئوا بعد أن كانوا ضاحين من الملك كله فأحسن التجاوز عنهم، وبسط المعدلة فيهم. وأحسن أمل ذوي الحاجات منهم بالإسهام والإقطاع وتجديد ما بأيديهم من المكتوبات السلطانية. ثم آثرهم بسكنى بلده المخصوص بعديد لعهد الأمير أبي العبّاس، وأنزله بين ظهرانيهم وأوصاه بهم، وعقد له على قسنطينة وما إليها. وجعل معه على حجابته أبا القاسم ابن عتو من مشيخة الموحدين، وقفل إلى حضرته فدخلها في رمضان من سنته، والله أعلم.

[(الخبر عن ولاية الأميرين أبي فارس عزوز وأبي البقاء خالد سوسة ثم اضافة المهدية اليهما)]

لما نكب السلطان حاجبه ابن سيّد الناس، وولّى محمد بن فرحون على حجابة ابنه الأمير أبي زكريا، وقرب [٣] ذلك ما نزل بآل يغمراسن من عدوّهم وتفرغ السلطان


[١] وفي نسخة أخرى: بعد أن اسفوا.
[٢] هكذا في النسخة الباريسية وفي نسخة أخرى: حتى قطع نخيلهم وإقلاع شجرائهم.
[٣] وفي نسخة أخرى: وقارن.

<<  <  ج: ص:  >  >>