المقاتلة والأصناف الكثيرة من آلات الحصار ووصل على أثره أسطول مصر مع الأمير لؤلؤ وكبس مركبا فغنم ما فيه ودخل به إلى عكا وبريء صلاح الدين من مرضه وأقام بمكانه بالجزيرة إلى انسلاخ الشتاء وسمع الإفرنج أن صلاح الدين سار إليهم واستقلوا مسلحة المسلمين عندهم فزحفوا إليهم في صفر سنة ست وثمانين واستمات المسلمون وقتل بين الفريقين خلق وبلغ الخبر بذلك صلاح الدين وجاءته العساكر من دمشق وحمص وحماة فتقدّم من الجزيرة إلى تل كيسان وتابع القتال على الإفرنج يشغلهم عن المسلمين فكانوا يقاتلون الفريقين وكان الإفرنج مدّة مقامهم على عكا قد صنعوا ثلاثة أبراج من الخشب ارتفاع كل برج ستون ذراعا وفيه خمس طبقات وغشوها بالجلود وطلوها بالأدوية التي لا تعلق النار بها وشحنوها بالمقاتلة ودنوها إلى البلد من ثلاث جهات في العشرين من ربيع الأوّل سنة ست وثمانين وأشرفوا بها على السور فكشف من عليه المقاتلة وشرع الإفرنج في طم الخندق وبعث أهل عكا سابحا في البحر يصف لهم حالهم فركب في عساكره واشتد في قتال الإفرنج فخف على أهل البلد ما كانوا فيه وأقاموا كذلك ثلاثة أيام يقاتلون الجهتين وعجزوا عن دفع الأبراج ورموها بالنفط فلم يؤثر فيها وكان عندهم رجل من أهل دمشق يعاني أحوال النفط فأخذ عقاقير وصنعها وحضر عند قراقوش حاكم البلد وأعطاه دواء وقال أرم بهذا في المنجنيق المقابل لإحدى الأبراج فيحترق فحرد عليه ثم وافق ورمى به في قدر ثم رمى بعده بقدر أخرى مملوءة نارا فاضطرمت النار واحترق البرج بمن فيه ثم فعل بالثاني والثالث كذلك وفرح أهل البلد وتخلصوا من تلك الورطة فأمر صلاح الدين بالإحسان إلى ذلك الرجل فلم يقبل وقال إنما فعلته للَّه ولا أريد الجزاء الا منه ثم بعث صلاح الدين الى ملوك الأطراف ليستنفرهم فجاء عماد الدين زنكي بن مودود صاحب سنجار ثم علاء الدين بن طالب صاحب الموصل ثم عز الدين مسعود بن مودود وبعثه أبوه بالعساكر ثم زين الدين صاحب أربل وكان كلّ واحد منهم إذا وصل يتقدّم بعسكر فيقاتلون الإفرنج ثم يضربون أبنيتهم وجاء الخبر بوصول الأسطول من مصر فجهز الإفرنج أسطولا لقتاله وشغلهم صلاح الدين بالقتال ليتمكن الأسطول من دخول عكا فلم يشغلوا عنه وقاتلوا الفريقين برا وبحرا ودخل الأسطول إلى مرسى عكا سالما والله تعالى أعلم يغيبه.
[وصول ملك الألمان إلى الشام ومهلكه]
هؤلاء الألمان شعب من شعوب الإفرنج كثير العدد موصوف بالبأس والشدّة وهم موطنون