للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(الخبر عن انتقاض الحسن بن عمر وخروجه بتادلا وتغلب السلطان عليه ومهلكه)]

لما فصل الوزير الحسن بن عمر إلى مراكش واستقرّ بها، تأثّل له بها سلطان ورياسة، نفسها أهل مجلس السلطان [١] وسعوا في تنكّر السلطان له، حتى أظلم الجوّ بينهما، وشعر الوزير بذلك فارتاب بمكانه، وخشي بادرة السلطان على نفسه، وخرج من مراكش في شهر صفر من سنة إحدى وستين وسبعمائة فلحق بتادلّا منحرفا عن الطاعة، مرتبكا أمره، وتلقاه بنو جابر من جشم، واعصوصبوا عليه وأجاروه.

وجهّز السلطان عساكره إلى حربه، وعقد عليها لوزيره الحسن بن يوسف وسرّحه إليه فاحتل بتادلا، ولحق الحسن بن عمر بالجبل، واعتصم به مع الحسين بن علي الورديغي كبيرهم. وأحاطت بهم العساكر وأخذوا بمخنقهم، وداخل الوزير بعض أهل الجبل من صناكة في الثورة بهم، وسرّب إليهم المال فثاروا بهم، وانفض جمعهم، وتقبّض على الحسن بن عمر، وقاده برمّته إلى عسكر السلطان فاعتقله الوزير، وانكفأ راجعا إلى الحضرة. وقدم بها على السلطان في يوم مشهود، واستركب السلطان فيه العسكر وجلس ببرج الذهب مقعده في ساحة البلد لاعتراض عساكره. وحمل السلطان الحسن بن عمر على جمل طيف به بين أهل ذلك المحشر، وقرّب إلى مجلس السلطان فأومأ إلى تقبيل الأرض فوق جمله، وركب السلطان إلى قصره، وانفضّ الجمع وقد شهروا وصاروا عبرة من عبر الدنيا. ودخل السلطان قصره فاقتعد أريكته واستدعى خاصّته وجلساءه، وأحضره فوبّخه وقرّر عليه مرتكبه، فتلوّى بالمعاذير وفزع إلى الإنكار. وحضرت هذا المجلس يومئذ فيمن حضره من العليّة والخاصّة، فكان مقاما تسيل فيه العيون رحمة وعبرة. ثم أمر به السلطان فسحب على وجهه، ونتفت لحيته وضرب بالعصي، وتلّ إلى محبسه، وقتل لليال من اعتقاله قعصا بالرماح بساحة البلد، ونصب شلوه بسور البلد عن باب المحروق، وأصبح مثلا في الآخرين.


[١] وفي نسخة ثانية: نفسها عليه الوزراء بمجلس السلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>