وقبول ما جاءت به الأنبياء عن الله تعالى والعمل به واتّباع صلاح أخراه. فهو منكّر في ذلك كلّه دائما لا يفتر عن الفكر فيه طرفة عين بل اختلاج الفكر أسرع من لمح البصر. وعن هذا الفكر تنشأ العلوم وما قدّمناه من الصّنائع. ثمّ لأجل هذا الفكر وما جبل عليه الإنسان بل الحيوان من تحصيل ما تستدعيه الطّباع فيكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات فيرجع إلى من سبقه بعلم أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك أو أخذه ممّن تقدّمه من الأنبياء الّذين يبلّغونه لمن تلقّاه فيلقّن ذلك عنهم ويحرص على أخذه وعلمه. ثمّ إنّ فكره ونظره يتوجّه إلى واحد واحد من الحقائق وينظر ما يعرض له لذاته واحدا بعد آخر ويتمرّن على ذلك حتّى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكة له فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علما مخصوصا. وتتشوّف نفوس أهل الجيل النّاشئ إلى تحصيل ذلك فيفزعون إلى أهل معرفته ويجيء التّعليم من هذا. فقد تبيّن بذلك أنّ العلم والتّعليم طبيعيّ في البشر. والله أعلم.
[الفصل الثاني في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع]
وذلك أنّ الحذق في العلم والتّفنّن فيه والاستيلاء عليه إنّما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله.
وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفنّ المتناول حاصلا. وهذه الملكة هي في غير الفهم والوعي. لأنّا نجد فهم المسألة الواحدة من الفنّ الواحد ووعيها مشتركا بين من شدا في ذلك الفنّ وبين من هو مبتدئ فيه وبين العاميّ الّذي لم يعرف [١] علما وبين العالم النّحرير. والملكة إنّما هي للعالم أو الشّادي في الفنون دون من سواهما فدلّ على أنّ هذه الملكة غير الفهم والوعي. والملكات