للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصار الجبل وألجئوهم بسوامّهم وظهرهم إلى قنّته، فهلك لهم الخفّ والحافر [١] ، وضاق ذرعهم بالحصار من كل جانب، وراسل بعضهم في الطاعة خفية فارتاب بعضهم من بعض وانفضّوا ليلا من الجبل، وأبو زيان معهم ذاهبين إلى الصحراء، واستولى الوزير على الجبل بما فيه من مخلّفهم، ولما بلغوا مأمنهم من القفر نبذوا إلى أبي زيّان عهده، فلحق بجبال غمرة، ووفد أعيانهم على السلطان عبد العزيز بتلمسان، وفاءوا إلى طاعته فتقبّل طاعتهم، وأعادهم إلى أوطانهم، وتقدّم الوزير عن أمر السلطان بالمسير مع أولاد يحيى بن علي بن سبّاع للقبض على أبي زيّان في جبل غمرة، وفاء بحق الطاعة لأنّ غمرة من رعاياهم، فمضينا لذلك، فلم نجده عندهم، وأخبرونا أنه ارتحل عنهم إلى بلد واركلا من مدن الصحراء، فنزل على صاحبها أبي بكر بن سليمان، فانصرفنا من هنالك، ومضى أولاد يحيى بن علي إلى أحيائهم، ورجعت أنا إلى أهلي ببسكرة، وخاطبت السلطان بما وقع في ذلك، وأقمت منتظرا أوامره حتى جاءني استدعاؤه إلى حضرته فرحلت إليه.

[(فضل الوزير ابن الخطيب [٢] )]

وكان الوزير ابن الخطيب آية من آيات الله في النّظم والنّثر، والمعارف والأدب، لا يساجل مداه [٣] ، ولا يهتدى فيها بمثل هداه.

فممّا كتب عن سلطانه إلى سلطان تونس جوابا عن كتاب وصل إليه مصحوبا بهديّة من الخيل والرّقيق، فراجعهم عنه بما نصّه إلى آخره:

الخلافة التي ارتفع في عقائد فضلها الأصيل القواعد الخلاف، واستقلّت مباني فخرها الشائع، وعزّها الذائع، على ما أسّسه الأسلاف ووجب لحقّها الجازم، وفرضها اللازم الاعتراف، ووسعت الآملين لها الجوانب الرحيبة والأكناف، فامتزاجنا بعلائها [٤] المنيف، وولائها الشريف، كما امتزج الماء والسلاف، وثناؤنا


[١] يعني: الجمال والخيول.
[٢] هذا الفصل غير موجود في نسختنا وقد أضفناه من نسخة بولاق المصرية، طبعة دار الكتاب اللبناني حتى لا يفوت شيء عن القارئ من هذا الكتاب النفيس.
[٣] المدّ: مصدر المدى، يقال بيني وبينه قدر مدّ البصر «أي مداه» .
[٤] العلاء والعلى: الرفعة والشرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>