فمضى هميان فبعث الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث فهزمه وقام بموضعه. ثم مات عبد الله بن أبي بكرة فولّاه الحجاج مكانه وجهّز إليه هذا الجيش وكان يسمى جيش الطواويس لحسن زيهم.
[أخبار ابن الأشعث ومقتله]
ولما وصل كتاب ابن الأشعث إلى الحجاج كتب إليه يوبّخه على القعود عن التوغل ويأمره بالمضيّ لما أمره به من هدم حصونهم وقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم. وأعاد عليه الكتاب بذلك ثانيا وثالثا وقال له: إن مضيت وإلّا فأخوك إسحاق أمير الناس.
فجمع عبد الرحمن الناس وردّ الرأي عليهم وقال: قد كنّا عزمنا جميعا على ترك التوغل في بلد العدوّ ورأينا رأيا وكتبت بذلك إلى الحجّاج وهذا كتابه يستعجزني ويستضعفني ويأمرني بالتوغل بكم وأنا رجل منكم، فثار الناس وقالوا: لا نسمع ولا نطيع للحجّاج. وقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكنانيّ: اخلعوا عدوّ الله الحجّاج وبايعوا الأمير عبد الرحمن فتنادى الناس من كل جانب فعلنا فعلنا. وقال عبد المؤمن بن شيث بن ربعي: انصرفوا إلى عدوّ الله الحجّاج فانفوه عن بلادكم ووثب الناس إلى عبد الرحمن على خلع الحجاج ونفيه من العراق وعلى النصرة له ولم يذكر عبد الملك. وصالح عبد الرحمن رتبيل على أنه إن ظهر فلا خراج على رتبيل ما بقي من الدهر، وإن هزم منعه ممن يريده. وجعل عبد الرحمن على سبت عيّاض بن هميان الشيبانيّ وعلى رومج عبد الله بن عامر التميمي، وعلى كرمان حرثة بن عمر التميمي. ثم سار إلى العراق في جموعه وأعشى همدان بين يديه يجري بمدحه وذمّ الحجّاج. وعلى مقدمته عطيّة بن عمير العيرني. ولما بلغ فارس بدا للناس في أمر عبد الملك وقالوا إذا خلعنا الحجّاج فقد خلعناه فخلعه الناس وبايعوا عبد الرحمن على السنة وعلى جهاد أهل الضلالة والمخلين وخلعهم. وكتب الحجّاج إلى عبد الملك يخبره ويستمدّه وكتب المهلّب إلى الحجّاج بأن لا يعترض أهل العراق حتى يسقطوا إلى أهليهم، فنكر كتابه واتهمه. وجنّد عبد الملك الجند إلى الحجّاج فساروا إليه متتابعين، وسار الحجّاج من البصرة فنزل تستر وبعث مقدمة خيل فهزمهم أصحاب عبد الرحمن بعد قتال شديد وقتل منهم جمعا كثيرا وذلك في أضحى إحدى وثمانين، وأجفل الحجّاج إلى البصرة، ثم تأخّر عنها إلى الغاوية