فارح من موالي السلطان أن يتفادى من مقامي معه خشية على أمره مني بزعمه، وتواطئوا على أن يشهد ابن عرفة بذلك للسلطان حتى شهد به في غيلة مني ونكر السلطان عليهم ذلك، ثم بعث إليّ وأمرني بالسفر معه، فسارعت إلى الامتثال، وقد شق ذلك عليّ، إلّا أني لم أجد محيصا، فخرجت معه وانتهيت إلى تبسة، وسط وطن تلول إفريقية، وكان منحدرا في عسكره وتوابعه من العرب إلى توزر لأنّ ابن يملول أجلب عليها سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة واستنقذها من يد ابنه، فسار السلطان إليه، وشرّده عنها، وأعاد إليها ابنه وأولياءه. ولما نهض من تبسة رجّعني إلى تونس فأقمت بضيعة الرياحين من نواحيها لضمّ زراعتي [١] بها الى أن قفل السلطان ظافرا منصورا فصحبته إلى تونس.
ولما كان شهر شعبان من سنة أربع وثمانين وسبعمائة أجمع السلطان الحركة إلى الزاب بما كان صاحبه ابن مزني قد آوى ابن يملول إليه ومهّد له في جواره، فخشيت أن يعود في شأني ما كان في السنة قبلها، وكان بالمرسى سفينة لتجّار الإسكندرية قد شحنها التجّار بأمتعتهم وعروضهم، وهي مقلعة إلى الإسكندرية فتطارحت على السلطان، وتوسّلت إليه في تخلية سبيلي لقضاء فرضي، فأذن لي في ذلك، وخرجت إلى المرسي والناس متسايلون على أثري من أعيان الدولة والبلد وطلبة العلم. فودّعتهم وركبت البحر منتصف شعبان من السنة، وقوّضت عنهم بحيث كانت الخيرة من الله سبحانه، وتفرّعت لتجديد ما كان عندي من آثار العلم، والله وليّ الأمور سبحانه.
(الرحلة الى المشرق وولاية القضاء بمصر)
ولما رحلت من تونس منتصف شعبان من سنة أربع وثمانين وسبعمائة أقمنا في البحر نحوا من أربعين ليلة، ثم وافينا مرسى الإسكندرية يوم الفطر، ولعشر ليال من جلوس الملك الظاهر على التخت، واقتعاد كرسي الملك دون أهله بني قلاوون، وكنا على ترقّب ذلك، لما كان يؤثر بقاصية البلاد من سمّوه لذلك، وتمهيده له. وأقمت بالإسكندرية شهرا لتهيئة أسباب الحج ولم يقدّر عامئذ، فانتقلت إلى القاهرة أوّل ذي