ثم سما محمد بن أبي عامر المتغلب على هشام لمكانه في السن، وثاب له رأي في الاستبداد فمكر بأهل الدولة، وضرب بين رجالها، وقتل بعضها ببعض. وكان من رجال اليمنية من مغافر واسمه محمد بن عبد الله بن أبي عامر بن محمد بن عبد الله بن عامر بن محمد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المغافري، دخل جدّه عبد الملك مع طارق، وكان عظيما في قومه، وكان له في الفتح أثر، فاستوزره الحكم لابنه هشام كما ذكرناه. فلما مات الحكم حجبه محمد وغلب عليه ومنع الوزراء من الوصول إليه إلّا في النادر من الأيام يسلّمون وينصرفون. وأرخص للجند في العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع، وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين. ثم تجرّد لرؤساء الدولة ممن عانده وزاحمه، فمال عليهم وحطّهم عن مراتبهم، وقتل بعضها ببعض. كل ذلك عن أمر هشام وخطه وتوقيعه حتى استأصل بهم وفرّق جموعهم. وأوّل ما بدأ بالصقالبة الخصيان الخدّام بالقصر، فحمل الحاجب المصحفي على نكبتهم فنكبهم وأخرجهم من القصر، وكانوا ثمانمائة أو يزيدون ثم أصهر إلى غالب مولى الحكم، وبالغ في خدمته والتنصّح له، واستعان به على المصحفي فنكبه ومحا أثره من الدولة. ثم استعان على غالب بجعفر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة الفازع إلى الحكم أوّل الدولة بمن كان معه من زناتة والبربر. ثم قتل جعفر عمّاله ابن عبد الودود وابن جوهر وابن ذي النون وأمثالهم من أولياء الدولة من العرب وغيرهم. ثم لما خلا الجو من أولياء الخلافة والمرشحين للرئاسة رجع إلى الجند فاستدعى أهل العدوة من رجال زناتة والبرابرة فرتّب منهم جندا واصطنع أولياء، وعرّف عرفاء من صنهاجة ومغراوة، وبني يفرن وبني برزال ومكناسة وغيرهم، فتغلّب على هشام وحجره واستولى على الدولة، وملأ الدنيا وهو في جوف بيته مع تعظيم الخلافة والخضوع لها، وردّ الأمور إليها وترديد الغزو والجهاد، وقدّم رجال البرابرة زناتة، وأخّر رجال العرب وأسقطهم عن مراتبهم فتم له ما أراد من الاستقلال بالملك والاستبداد بالأمر، وابتنى لنفسه مدينة فنزلها وسمّاها الزاهرة، ونقل إليها خزائن الأموال والأسلحة، وقعد على سرير الملك وأمر أن يحيّا بتحيّة الملوك وتسمى