للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الخبر عن حركة صاحب قسنطينة وما كان من حجابة أبي العباس بن مكّي وتصاريف ذلك)

لما استولى أبو محمد بن تافراكين على تونس وبايع للمولى أبي إسحاق بالخلافة واستبدّ عليه نقم عليه الأمراء شأن استبداده ونقمه ابن مكيّ للسعي عليه لمنافسة كانت بينهما قديمة من لدن أيام السلطان أبي بكر. واستعان على ذلك بأولاد مهلهل مقاسمي أولاد أبي الليل في رياسة الكعوب ومجاذبيهم حبل الإمارة، فلما رأوا صاغيه ابن تافراكين إلى أولاد أبي الليل أقتالهم أجمعوا له ولهم، وحالفوا بني حكيم من قبائل علان [١] ، وأجلبوا على الضواحي وشنوا الغارات. ثم وفد على الأمير أبي زيد صاحب قسنطينة وأعمالها يستحثهم للنهوص إلى إفريقية واستخلاص ملك آبائه ممن استبدّ عليه واحتازه، دونهم فسرّح معهم عسكرين لنظر ميمون ومنصور الجاهل من مواليه وموالي أبيه، وارتحلوا من قسنطينة. وارتحل معهم يعقوب بن علي كبير الزواودة بمن معه من قومه وسرّح أبو محمد بن تافراكين من الحضرة للقاسم عسكرا مع أبي الليل بن حمزة لنظر مقاتل من موالي السلطان، والتقى الجمعان ببلاد هوّارة سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة فكانت الدبرة على أولاد أبي الليل.

وقتل يومئذ أبو الليل قتيبة بن حمزة بيد يعقوب بن سحيم من أولاد القوس شيوخ بني حكيم، ورجع فلّهم إلى تونس وامتدّت أيدي أولاد مهلهل وعساكر قسنطينة في البلاد وجبوا الأموال من أوطان هوارة وانتهوا إلى أبدة [٢] . ثم قفلوا راحلين إلى قسنطينة، وولي على أولاد أبي الليل مكان قتيبة أخوه خالد بن حمزة، وقام بأمرهم، وكان أبو العباس بن مكّي أثناء ذلك يكاتب المولى أبا زيد صاحب قسنطينة من مكان ولايته بقابس ويعده من نفسه الوفادة والمدد بالمال والأحزاب والقيام بأعطيات العرب، حتى إذا انصرم فصل الشتاء ووفد عليه مع أولاد مهلهل لقاه مبرّة وتكريما. وعقد له على حجابته وجمع عساكره وجهّز آلاته وأزاح علل تابعه، ورحل من قسنطينة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة في صفر، وجهّز أبو محمد بن


[١] وفي نسخة أخرى: علاق وقد مرت معنا من قبل.
[٢] وفي نسخة أخرى: أبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>