للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو دليل صريح على أنّ المغرم موجب للذّلّة [١] هذا إلى ما يصحب ذلّ المغارم من خلق المكر والخديعة بسبب ملكة القهر فإذا رأيت القبيل بالمغارم في ربقة من الذّلّ فلا تطمعنّ لها بملك آخر الدّهر ومن هنا يتبيّن لك غلط من يزعم أنّ زناتة بالمغرب كانوا شاوية يؤدّون المغارم لمن كان على عهدهم من الملوك وهو غلط فاحش كما رأيت إذ لو وقع ذلك لما استتبّ لهم ملك ولا تمّت لهم دولة وانظر فيما قاله شهربراز ملك الباب لعبد الرّحمن بن ربيعة لمّا أطلّ عليه وسأل شهربراز أمانه على أن يكون له فقال أنا اليوم منكم يدي في أيديكم وصعري [٢] معكم فمرحبا بكم وبارك الله لنا ولكم وجزيتنا إليكم النّصر لكم والقيام بما تحبّون ولا تذلّونا بالجزية فتوهنونا لعدوّكم فاعتبر هذا فيما قلناه فإنّه كاف.

[الفصل العشرون في أن من علامات الملك التنافس في الخلال الحميدة وبالعكس]

لمّا كان الملك طبيعيّا للإنسان لما فيه من طبيعة الاجتماع كما قلناه وكان الإنسان أقرب إلى خلال الخير من خلال الشّرّ بأصل فطرته وقوّته النّاطقة العاقلة لأنّ الشّرّ إنّما جاءه من قبل القوى الحيوانيّة الّتي فيه وأمّا من حيث هو إنسان فهو إلى الخير وخلاله أقرب والملك والسّياسة إنّما كانا له من حيث هو إنسان لأنّهما للإنسان خاصّة لا للحيوان فإذا خلال الخير فيه هي الّتي تناسب السّياسة والملك إذ الخير هو المناسب للسّياسة وقد ذكرنا أنّ المجد له أصل يبنى عليه وتتحقّق به حقيقته وهو العصبيّة والعشير وفرع يتمّم وجوده ويكمله وهو الخلال وإذا كان الملك غاية للعصبيّة فهو غاية لفروعها ومتمّماتها وهي الخلال لأنّ وجوده دون


[١] لأن المشتغلين بالزراعة كانوا يدفعون غالبا الخراج للدولة، وهناك حديث شائع على السنة العامة:
«إذا غضب الله على قوم أسكنهم القرى أو المزارع» وهو مثل قديم سببه أن الدولة العثمانية التي كانت تحكم على بلادنا كان جل اعتمادها على الضرائب الزراعية.
[٢] صعر: صعرا وجهه: مال إلى أحد الشقين (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>