بالحاجب المنصور، ونفذت الكتب والأوامر والمخاطبات باسمه، وأمر بالدعاء له على المنابر، وكتب اسمه في السكّة والطرز، وعمر ديوانه بما سوى ذلك. وجند البرابرة والمماليك واستكثر من العبيد والعلوج للاستيلاء على تلك الرغبة، وقهر من يطاول إليها من الغلبة فظفر من ذلك بما أراد وردّد الغزو بنفسه إلى دار الحرب، فغزا اثنتين وخمسين غزوة في سائر أيام ملكه لم ينكسر له فيها راية، ولا فلّ له جيش، ولا أصيب له بعث، ولا هلكت سرية، وأجاز عساكره إلى العدوة، وضرب بين ملوك البرابرة بعضهم في بعض، فاستوثق ملكه بالمغرب وأذعنت له ملوك زناتة، وانقادوا لحكمه وأطاعوا لسلطانه، وأجاز ابنه عبد الملك إلى ملوك مغراوة بفاس من آل خزر لما سخط زيري بن عطية ملكهم لما بلغه من إعلانه بالنيل منه والغض من ملكهم، والتأنف لحجر الخليفة هشام، فأوقع به عبد الملك سنة ست وثمانين، ونزل بفاس وملكها، وعقد لملوك زناتة على المغرب وأعماله من سجلماسة وغيرها على ما نشير إليه بعد. وشرّد زيري بن عطية إلى تاهرت، وأبعد المفرّ، وهلك في مفرّه. ثم قفل عبد الملك إلى قرطبة واستعمل واضحا على المغرب، وهلك المنصور أعظم ما كان ملكا وأشد استيلاء سنة أربع وسبعين وثلاثمائة بمدينة سالم منصرفه من بعض غزواته، ودفن هنالك وذلك لسبع وعشرين سنة من ملكه.
[(المظفر بن المنصور)]
ولما هلك المظفر قام بالأمر من بعده أخوه عبد الرحمن، وتلقب بالناصر لدين الله، وجرى على سنن أبيه وأخيه في حجر الخليفة هشام، والاستبداد عليه والاستقلال بالملك دونه. ثم ثاب له رأي في الاستئثار بما بقي من رسوم الخلافة، فطلب من هشام المؤيد أن يوليه عهده فأجابه، وأحضر لذلك الملأ من أرباب الشورى وأهل الحلّ والعقد فكان يوما مشهودا، وكتب عهده من إنشاء أبي حفص بن برد بما نصّه: هذا ما عهد هشام المؤيد باللَّه أمير المؤمنين إلى الناس عامة، وعاهد الّذي عليه من نفسه خاصة، وأعطى به صفقة يمينه بيعة تامة بعد أن أمعن النظر وأطال الاستخارة، وأهمّه ما جعل الله إليه من الإمامة ونصب إليه من أمر المؤمنين واتقى حلول القدر بما لا يؤمن، وخاف نزول القضاء بما لا يصرف، وخشي ان هجم محتوم