للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الطبقة الثانية من صنهاجة وهم الملثمون وما كان لهم بالمغرب من الملك والدولة]

هذه الطبقة من صنهاجة هم الملثّمون الموطنون بالقفر وراء الرمال الصحراويّة بالجنوب، أبعدوا في المجالات هنالك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف أوّلها. فأصحروا عن الأرياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها، واعتاضوا منها بألبان الأنعام ولحومها انتباذا عن العمران، واستئناسا بالانفراد، وتوحشا بالعز عن الغلبة والقهر.

فنزلوا من ريف الحبشة جوارا، وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حجزا، واتخذوا اللثام خطاما تميزوا بشعاره بين الأمم، وعفوا في تلك البلاد وكثروا. وتعدّدت قبائلهم من كذالة فلمتونة فمسوقة فوتريكة فناوكا [١] فزغاوة ثم لمطة إخوة صنهاجة كلّهم ما بين البحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة.

وللمتونة فيهم بطون كثيرة منهم بنو ورتنطق وبنو زمال وبنو صولان وبنو ناسجة، وكان موطنهم من بلاد الصحراء يعرف كأكدم وكان دينهم جميعا المجوسيّة شأن برابرة المغرب. ولم يزالوا مستقرّين بتلك المجالات حتى كان إسلامهم بعد فتح الأندلس، وكانت الرئاسة فيهم للمتونة. واستوسق لهم ملك ضخم مذ دولة عبد الرحمن بن معاوية الداخل توارثه ملوك منهم: تلاكاكين وورتكا اوراكن بن ورتنطق جد أبي بكر بن عمر أمير لمتونة في مبتدإ دولتهم، وطالت أعمارهم فيها إلى الثمانين ونحوها، ودوّخوا تلك البلاد الصحراويّة وجاهدوا من بها من أمم السودان وحملوهم على الإسلام، فدان به كثيرهم. واتّقاهم آخرون بالجزية فقبلوها منهم وملك عليهم بعد تلاكاكين المذكور ثيولوثان.

(قال) ابن أبي زرع: أوّل من ملك الصحراء من لمتونة ثيولوثان، فدوّخ بلاد الصحراء واقتضى مغارم السودان وكان يركب في مائة ألف نجيب. وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين، وملك بعده يلتّان [٢] وقام بأمرهم وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين، وقام بأمرهم بعده ابنه تميم إلى سنة ست وثلاثمائة، وقتله صنهاجة وافترق


[١] وفي النسخة التونسية: فوتزيلة فتاركا.
[٢] وفي النسخة الباريسية: بليان.

<<  <  ج: ص:  >  >>