ونظروا في أعطاف ملكهم واستتمّوا شيات [١] الحضارة ومفاني البذخ والأبّهة انتحلوا جميع هذه السّمات وتفنّنوا فيها وتجاروا إلى غايتها وأنفوا من المشاركة فيها وجزعوا من افتقادها وخلوّ دولتهم من آثارها والعالم بستان والله على كلّ شيء رقيب.
[الفصل السابع والثلاثون في الحروب ومذاهب الأمم وترتيبها]
اعلم أنّ الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليفة منذ براها الله وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصّب لكلّ منها أهل عصبيّته فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطّائفتان إحداهما تطلب الانتقام والأخرى تدافع كانت الحرب وهو أمر طبيعيّ في البشر لا تخلو عنه أمّة ولا جيل وسبب هذا الانتقام في الأكثر إمّا غيرة ومنافسة. وإمّا عدوان وإمّا غضب للَّه ولدينه وإمّا غضب للملك وسعي في تمهيده فالأوّل أكثر ما يجري بين القبائل المتجاورة والعشائر المتناظرة والثّاني وهو العدوان أكثر ما يكون من الأمم الوحشيّة السّاكنين بالقفر كالعرب والتّرك والتّركمان والأكراد وأشباههم لأنّهم جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم فيما بأيدي غيرهم ومن دافعهم عن متاعه آذنوه بالحرب ولا بغية لهم فيما وراء ذلك من رتبة ولا ملك وإنّما همّهم ونصب أعينهم غلب النّاس على ما في أيديهم والثّالث هو المسمّى في الشّريعة بالجهاد والرّابع هو حروب الدّول مع الخارجين عليها والمانعين لطاعتها فهذه أربعة أصناف من الحروب الصّنفان الأوّلان منها حروب بغي وفتنة والصّنفان الأخيران حروب جهاد وعدل وصفة الحروب الواقعة بين أهل الخليقة منذ أوّل وجودهم على نوعين نوع بالزّحف