الدعة بفاس، فأقام بها متمليا راحته عريضا جاهه، طاعما كاسيا، تتسرّب إليه أموال العمّال في سبيل الإتحاف، وتقف ببابه صدور الركائب إلى أن هلك السلطان أبو يوسف. ويقال إنّ له خائنة في دمه مع سعاية الملياني. ولما ولي من بعده أخوه أبو الربيع فتقبّل فيه مذاهب سلفه. وكان بنو وقاصة اليهود حين نكبوا، باشر نكبتهم لمكانه من إصدار الأوامر. ويزعمون أنّ له فيهم سعاية. وكان خليفة الأصغر منهم قد استبقى كما ذكرناه، فلما أفضى الأمر إلى السلطان أبي الربيع استعمل خليفة بداره في بعض المهن، وباشر [١] الخدم حتى اتصل بمباشرة السلطان، فجعل غايته السعاية بعبد الله بن أبي مدين. وكان يؤثر عن السلطان أبي الربيع بأنه لا تؤمن بوائقه مع حرم ذويه، وتعرف خليفة ذلك من مقالات الناس، فدسّ إلى السلطان أنّ عبد الله بن أبي مدين يعرض باتهام السلطان في ابنته، وأن صدره وغر بذلك، وأنه مترصد بالدولة. وكان يخشى العائلة بما كان عليه من مداخلة القبيل، ولما كان داعيته من دواعي آل يعقوب، فتعجّل السلطان دفع غائلته واستدعاه صبيحة زفاف ابنته، زعموا عن زوجها فاستحثّه قائد الروم من داره بفاس. ونذر بالشر، فلم يغنه النذر، ومرّ في طريقه إلى دار السلطان بمقبرة أبي يحيى بن العربيّ، فطعنه القائد هنالك من ورائه طعنة أكبته على ذقنه. واحتزّ رأسه وألقاه بين يدي السلطان.
ودخل الوزير سليمان بن يرزيكن فوجده بين يديه، فذهبت نفسه عليه وعلى مكانه من الدولة حسرة وأسفا، وأيقظ السلطان لمكر اليهودي، فوقفه على براءة كان ابن أبي مدين بعثها للسلطان معه بالتنصّل والحلف، فتيقّظ وعلم مكر اليهودي به، فندم وفتك لحينه بخليفة بن وقاصة وذويه من اليهود المتصدّين للخدمة، وسطا بهم سطوة الهلكة، فأصبحوا مثلا للآخرين، والله أعلم.
[(الخبر عن ثورة أهل سبتة بالأندلسيين ومراجعتهم طاعة السلطان)]
لما قفل السلطان أبو الربيع من غزاة سبتة بعد أن شرّد عثمان بن أبي العلاء وأحجره