توهّموه من استغلاظ أمرهم بصاحب تلمسان ويأسا من معاودة التغلّب الّذي كان لهم على ضواحي إفريقية، ففارقوا الأمير أبا فارس بعد أن بلغوه مأمنه من قفصة، وساروا بأحيائهم إلى الزاب فلم يقعوا على الغرض ولا ظفروا بالبغية، ووافوا يعقوب وابن مزني، وقد جاءهم وافد أبي حمو بالقعود عن نصرتهم، والأمير أبو زيان قد انطلق لسبيله عنهم، فسقط في أيديهم وعاودهم الندم على ما استدبروا من أمرهم، وحملهم يعقوب على مراجعة السلطان وأوفد ابنه محمدا في ذلك مع وافد العزيز أبي عبد الله محمد بن أبي جلال فتقبّلهم وأحسن التجاوز عنهم. وبعث أبا يحيى أخاه لاستقدامهم أمانا لهم وتأنيسا. وبذل لهم فوق ما أمّلوه من مذاهب الرضا والقبول واتصل النجح والظهور، والحمد للَّه وحده.
[(تغلب ابن يملول على توزر وارتجاعها منه)]
قد كان تقدّم لنا أنّ يحيى بن يملول لما هلك ببسكرة خلّف صبيا اسمه أبو يحيى، وذكرنا كيف أجلب على توزر سنة ثنتين وثمانين وسبعمائة مع لفيف أعراب رياح ومرداس. فلما كان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة بعدها وقعت مغاضبة بين السلطان وبين أولاد مهلهل من الكعوب، وانحدروا إلى مشاتيهم بالصحراء فبعث أميرهم يحيى بن طالب عن هذا الصبيّ أبي يحيى من بسكرة، فنزل بأحيائه بساح توزر، ودفع الصبيّ إلى حصارها، واجتمع عليه شيعته من نواحي البلد وأشراف [١] من أعراب الصحراء، وأجلبوا على البلد وناوشوا أهلها القتال وكان بها المنتصر ابن السلطان فقاتلهم أياما. ثم تداعى شيعهم من جوانب المدينة وغلبوا عساكرهم وأحجروهم بالبلد، ثم دخلوا عليهم، وخرج المنتصر ناجيا بنفسه إلى بيت يحيى بن طالب.
واستذمّ به فأجاره وأبلغه إلى مأمنه بقفصة، وبها عاملها عبد الله التريكي.
واستولى ابن يملول على توزر، واستنفد ما معه وما استخرجه من ذخائر توزر في أعطيات العرب، وزادهم جباية السنة من البلد بكمالها، ولم يحصل على رضاهم وبلغ الخبر إلى السلطان بتونس، فشمّر عزائمه وعسكر بظاهر البلد، واعترض الجند