للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجموع الروم. فنهضوا سنة اثنتين وأربعين وستمائة في جيش كثيف يناهز عشرين ألفا فيما زعموا. وزحف إليهم بنو مرين بوادي ياباش، وصبر الفريقان، وهلك الأمير محمد بن عبد الحق في الجولة بيد زعيم من زعماء الروم. وانكشفت بنو مرين واتبعهم الموحدون، ودخلوا تحت الليل، فلحقوا بجبال غياثة من نواحي تازى واعتصموا بها أياما. ثم خرجوا إلى بلاد الصحراء، وولّوا عليهم أبا يحيى بن عبد الحق، فقام بأمرهم على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

[الخبر عن دولة الأمير أبي يحيى بن عبد الحق مديل الأمر لقومه بني مرين وفاتح الأمصار ومقيم الرسوم الملوكية من الآلة وغيرها لمن بعده من امرائهم]

لما ولي أبو يحيى بن عبد الحق أمر بني مرين سنة اثنتين وأربعين وستمائة، كان من أول ما ذهب إليه ورآه من النظر لقومه، أن قسّم بلاد المغرب وقبائل جبايته بين عشائر بني مرين. وأنزل كلّا منهم في ناحية تسوّغها سائر الأيام طعمة. فاستركبوا الرجل أتباعهم، واستلحقوا من غاشيتهم، وتوفّرت عساكرهم. ثم نبضت نار المنافسة بين أحيائهم، وخالف بنو عسكر جماعتهم، وصاروا إلى الموحدين، فحرّضوهم على أبي يحيى بن عبد الحق وبني حمامة وأغروهم بهم. وبعثوا الصريخ إلى يغمراسن بن زيان، فوصل في قومه إلى فاس. واجتمعوا جميعا إلى قائد الموحّدين. وأعطوا الرهن على صدق البلاء في الأمير أبي يحيى وأتباعه. وصمدوا إليه حتى انتهوا إلى ورغة، ثم إلى كرت [١] . وأعجزهم فانكفّوا راجعين إلى فاس. ونذر يغمراسن بغدر الموحدين، فخرج في قومه مع أوليائه بني عسكر. وعارضهم الأمير أبو يحيى بوادي سبو، فلم يطق حربهم. ورجع عنهم عسكر الموحدين بما صرخ في معسكرهم من موت الخليفة السعيد. ثم بعثوا إليهم لملاطفتهم في الفيئة إلى الطاعة ومذاهب الخدمة، القائد عنبر الخصيّ مولى الخليفة في حصّة من الروم والناشبة، فتقبّض عليهم بنو عسكر وتمسّكوا بهم في رهنهم. وقتلوا كافة النصارى، فأطلق أبناءهم ولحق


[١] هي كرت: مدينة في أقصى بلاد المغرب قرب بلاد السودان وربما قبلت بالثاء. (معجم البلدان) .

<<  <  ج: ص:  >  >>