يثير الفتنة هو أبو قاسم بن أبي زيد، فأزال السلطان تلك السكّة وعفا عليه، وأهمّه شأن أبي القاسم ابن عمه، وبلغه الخبر فخامره الرعب الى ما كان يحدّث نفسه من الخروج، ففرّ من الحضرة سنة إحدى وستين وستمائة، ولحق برياح ونزل على أميرهم شبل بن موسى بن محمد رئيس الدواودة، فبايع له وقام بأمره. ثم بلغه اعتزام السلطان على النهوض إليه فخشي بادرته واضطرب أمر العرب من قبيله. ولما أحسّ أبو القاسم باضطرابهم وخشي أن يسلّموه إذا أزادهم السلطان عليها، تحوّل عنهم ولحق بتلمسان وأجاز البحر منها إلى الأندلس، وصحب الأمير أبا إسحاق ابن عمه في مثوى اغترابهما بالأندلس. ثم ساءت أفعاله وعظم استهتاره. وفشا النكير عليه من الدولة فلحق بالمغرب وأقام بتينملل مدة. ثم رجع إلى تلمسان، وبها مات. وقام الأمير أبو إسحاق بمكانه من جوار ابن الأحمر إلى أن كان من أمره ما نذكره.
(الخبر عن خروج السلطان الى المسيلة)
لما اتصل بالسلطان شأن أبي قاسم ابن عمه أبي زيد وفصاله عن رياح إلى المغرب بعد عقدهم معه، خرج من تونس سنة أربع وستين في عساكر الموحدين وطبقات الجند لتمهيد الوطن، ومحو آثار الفساد منه، وتقويم العرب على الطاعة. وتنقّل في الجهات الى أن وصل بلاد رياح فدوخها ومهد أرجاءها، وفرّ شبل بن موسى وقومه الدواودة الى القفر، واحتل السلطان بالمسيلة آخر وطن رياح. ووافاه هنالك محمد من عبد القوي أمير بني توجين من زناتة مجددا لطاعته، ومتبرّكا بزيارته، فتلقّاه من البرور تلقي أمثاله، وأثقل كاهله بالحباء والجوائز، وجنب له الجياد المقربات بالمراكب المثقلة بالذهب، واللجم المحلات. وضرب له الفساطيط الفسيحة الارجاء من ثياب الكتان وجدل القطن، الى ما يتبع ذلك من المال والظهر والكراع والأسلحة. واقطع له مدينة مقرة وبلد أوماش من عمل الزاب، وانقلب عنه الى وطنه.
ورجع السلطان إلى تونس وفي نفسه من رياح ضغن إلى أن صرف إليهم وجه تدبيره كما نذكره، ولثانية احتلاله في الحضرة كان مهلك مولاه هلال، ويعرف بالقائد،