معاناة الشّدائد من الجوع والشّظف ويكون ذلك دواء للدّولة من الهرم الّذي عساه أن يطرقها حتّى يأذن الله فيها بأمره وهذا كما وقع في دولة التّرك بالمشرق فإنّ غالب جندها الموالي من التّرك فتتخيّر ملوكهم من أولئك المماليك المجلوبين إليهم فرسانا وجندا فيكونون أجرأ على الحرب وأصبر على الشّظف من أبناء المماليك الّذين كانوا قبلهم وربوا في ماء النّعيم والسّلطان وظلّه وكذلك في دولة الموحّدين بإفريقيّة فإنّ صاحبها كثيرا ما يتّخذ أجناده من زناتة والعرب ويستكثر منهم ويترك أهل الدّولة المتعوّدين للتّرف فتستجدّ الدّولة بذلك عمرا آخر سالما من الهرم والله وارث الأرض ومن عليها.
[الفصل الرابع عشر في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص]
اعلم أنّ العمر الطّبيعيّ للأشخاص على ما زعم الأطبّاء والمنجّمون مائة وعشرون سنة وهي سنو القمر الكبرى عند المنجّمين ويختلف العمر في كلّ جيل بحسب القرانات فيزيد عن هذا وينقص منه فتكون أعمار بعض أهل القرانات مائة تامّة وبعضهم خمسين أو ثمانين أو سبعين على ما تقتضيه أدلّة القرانات عند النّاظرين فيها وأعمار هذه الملّة ما بين السّتّين إلى السّبعين كما في الحديث ولا يزيد على العمر الطّبيعيّ الّذي هو مائة وعشرون إلّا في الصّور النّادرة وعلى الأوضاع الغريبة من الفلك كما وقع في شأن نوح عليه السّلام وقليل من قوم عاد وثمود. وأمّا أعمار الدّول أيضا وإن كانت تختلف بحسب القرانات إلّا أنّ الدّولة في الغالب لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال والجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين الّذي هو انتهاء النّموّ والنّشوء إلى غايته قال تعالى «حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ٤٦: ١٥»[١] ولهذا قلنا إنّ عمر الشّخص الواحد هو عمر الجيل