الحارمي وقرابتهم فأشار عليه تقي الدين عمر بن أخيه بالامتناع والعصيان ففكر عليه نجم الدين أبوه وقال له ليس منا من يقوم بعصيان نور الدين لو حضر أو بعث وأشار عليه بأن يكاتبه بالطاعة وأنه إن عزم على أخذ البلاد منك فسلمها ويصل بنفسه وافترق المجلس فخلا به أبوه وقال مالك توجد بهذا الكلام السبيل للأمراء في استطالتهم عليك ولو فعلتم ما فعلتم كنت أوّل الممتنعين عليه ولكن ملاطفته أولى وكتب صلاح الدين إلى نور الدين بما أشار به أبوه من الملاطفة فتركهم نور الدين وأعرض عن قصدهم ثم توفي واشتغل صلاح الدين بملك البلاد ثم جمع نور الدين العساكر وسار لغزو الإفرنج بسبب ما أخذوه لأهل البلاد من مراكب التجار ونكثوا فيها العهد مغالطين بأنها تكسرت فلم يقبل مغالطتهم وسار إليهم وبث السرايا في بلادهم نحو أنطاكية وطرابلس وحاصر هو حصن عرقة وخرب ربضه وأرسل عسكرا إلى حصن صافيتا وعريمة ففتحهما عنوة وخربهما ثم سار من عرقة إلى طرابلس واكتسح كل ما مرّ عليه حتى رجع الإفرنج إلى الإنصاف من أنفسهم وردّوا ما أخذوا من المكرمين الأعزين وسألوا تجديد الهدنة فأجابهم بعد أن خربت بلادهم وقتلت رجالهم وغنمت أموالهم ثم اتخذ نور الدين في هذه السنة الحمام [١] بالشام تطير إلى أوعارها من [١] لاتساع بلاده ووصول الأخبار بسرعة فبادر إلى القيام بواجبة وأجرى الجرايات على المرتبين لحفظها لتصل الكتب في أجنحتها ثم أغار الإفرنج على حوران من أعمال دمشق وكان نور الدين بمنزل الكسوة فرحل إليهم ورحلوا أمامه إلى السواد وتبعهم المسلمون ونالوا منهم ونزل نور الدين على عشيرا وبعث منها سرية إلى أعمال طبرية فاكتسحها وسار الإفرنج لمدافعتهم فرجعوا عنها وأتبعهم الإفرنج فعبروا النهر وطمعوا في استنقاذ غنائمهم فقاتلهم المسلمون دونها أشدّ قتال إلى أن استنقذت وتحاجزوا ورجع الإفرنج خائبين والله تعالى ينصر المسلمين على الكافرين بمنه وكرمه.
[واقعة ابن ليون ملك الأرمن بالروم]
كان مليح بن ليون صاحب دروب حلب أطاع نور الدين محمود بن زنكي وأمره على الحمالة
[١] هنا بياضان بالأصل في جميع النسخ ولم نعثر في المراجع التي بين أيدينا على تصويب هذه العبارة ويدل سياق العبارة بحسب رأينا أن المقصود: ثم اتخذ نور الدين في هذه السنة الحمام الزاجل بالشام لإرسال الأخبار بسرعة ضمن بلاده الواسعة.