السّلطان أو تفسد لأنّ معظمها من أوسط الدّولة وما بعدها إنّما هو من المكوس على البياعات كما قدّمناه ويؤول ذلك إلى تلاشي الدّولة وفساد عمران المدينة ويتطرّق هذا الخلل على التّدريج ولا يشعر به. هذا ما كان بأمثال هذه الذّرائع والأسباب إلى أخذ الأموال وأمّا أخذها مجّانا والعدوان على النّاس في أموالهم وحرمهم ودمائهم وأسرارهم وأعراضهم فهو يفضي إلى الخلل والفساد دفعة وتنتقض الدّولة سريعا بما ينشأ عنه من الهرج المفضي إلى الانتقاض ومن أجل هذه المفاسد حظر الشّرع ذلك كلّه وشرع المكايسة في البيع والشّراء وحظر أكل أموال النّاس بالباطل سدّا لأبواب المفاسد المفضية إلى انتقاض العمران بالهرج أو بطلان المعاش واعلم أنّ الدّاعي لذلك كلّه إنّما هو حاجة الدّولة والسّلطان إلى الإكثار من المال بما يعرض لهم من التّرف في الأحوال فتكثر نفقاتهم ويعظم الخرج ولا يفي به الدّخل على القوانين المعتادة يستحدثون ألقابا ووجوها يوسّعون بها الجباية ليفي لهم الدّخل بالخرج ثمّ لا يزال التّرف يزيد والخرج بسببه يكثر والحاجة إلى أموال النّاس تشتدّ ونطاق الدّولة بذلك يزيد إلى أن تمحّي دائرتها ويذهب برسمها ويغلبها طالبها والله أعلم.
[الفصل الرابع والأربعون في أن الحجاب كيف يقع في الدول وفي أنه يعظم عند الهرم]
اعلم أنّ الدّولة في أوّل أمرها تكون بعيدة عن منازع الملك كما قدّمناه لأنّه لا بدّ لها من العصبيّة الّتي بها يتمّ أمرها ويحصل استيلاؤها والبداوة هي شعار العصبيّة والدّولة إن كان قيامها بالدّين فإنّه بعيد عن منازع الملك وإن كان قيامها بعزّ الغلب فقط فالبداوة الّتي بها يحصل الغلب بعيدة أيضا عن منازع الملك ومذاهبه فإذا كانت الدّولة في أوّل أمرها بدويّة كان صاحبها على حال الغضاضة والبداوة والقرب من النّاس وسهولة الإذن فإذا رسخ عزّه وصار إلى الانفراد