للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انطبق الجوّ على معسكره وفسدت السابلة على العير للميرة، واستجم الزبون في احياء معسكره بظهور العدوّ المساهم في الملك. وتفادت رجالات العرب من سوء المغبّة وسطوة السلطان، فتمشوا بينهم في الانفضاض وتحينوا لذلك وقت المناوشة، وكان السلطان لما كذبه وعد المشيخة أجمع قتالهم، واضطرب الفساطيط مضايقة للأسوار، متسنمة وعرا من الجبل لم يرضه أهل الرأي. وخرج رجل الجبل على حين غفلة فجاولوا من كان بتلك الأخبية من المقاتلة فانهزموا أمامهم وتركوها بأيديهم فمزقوها بالسيوف. وعاين العرب على البعد انتهاب الفساطيط فأجفلوا وانفضّ المعسكر بأجمعه. وحمل السلطان أبو حمو أثقاله للرحلة فأجهضوه عنها فتركها، وانتهب مخلفه أجمع. وتصايح الناس بهم من كل حدب، وضاقت المسالك من ورائهم وأمامهم، وكظّت بزحامهم، وتواقعوا لجنوبهم، فهلك الكثير منهم وكانت من غرائب الواقعات، تحدث الناس بها زمانا وسيقت حظاياه إلى بجاية، واستأثر الأمير أبو زيان منهنّ بحظيته الشهيرة ابنة يحيى الزابي، ينسب إلى عبد المؤمن بن علي. وكان أصهر فيها إلى أبيها أيام تقلبه في سبيل الاغتراب ببلاد الموحدين كما سبق، وكانت أعلق بقلبه من سواها، فخرجت في مغانم الأمير أبي زيّان. وتحرّج عن مواقعتها حتى أوجده أهل الفتيا السبيل إلى ذلك لحنث زعموا وقع من السلطان أبي حمو في نسائه. وخلص السلطان أبو حمو من هوّة ذلك العصب بعد غصّة الريق، ونجا إلى الجزائر لا يكاد يردّ النفس من شناعة ذلك الهول. ثم خرج منها ولحق بتلمسان، واقتعد سرير ملكه واشتدّت شوكة أبي زيّان ابن عمّه، وتغلب على القاصية واجتمعت إليه العرب، وكثر تابعه. وزاحم السلطان أبا حمو بتلك الناحية الشرقية سنين تباعا نذكر الآن أخبارها، إن شاء الله تعالى.

[(الخبر عن خروج أبي زيان بالقاصية الشرقية من بلاد حصين وتغلبه على المرية والجزائر ومليانة وما كان من الحروب معه)]

لما انهزم السلطان أبو حمّو بساحة بجاية عشيّ يومه من أوائل ذي الحجة، خاتم سنة سبع وستين وسبعمائة قرع الأمير أبو زيّان طبوله واتبع أثره، وانتهى إلى بلاد حصين

<<  <  ج: ص:  >  >>